ذات يوم في مزاد علني

TT

في 24 أبريل (نيسان) 1895 كان أوسكار وايلد في السجن ينتظر موعد محاكمته عندما تقرر بيع موجودات منزله في المزاد العلني، من أجل جمع مبلغ 600 جنيه تعويضا لحكم صدر عليه. يفيد دليل المزاد أن الأشياء المعروضة هي لوحات للمشاهير، والطاولة التي كان يكتب عليها طوماس كارلايل «ومجموعة من الكتب القيمة».

كان وايلد قد جمع هذه الكتب منذ يفاعته ونقلها معه حيثما تنقل، إلى أن استقر في منزله الأخير في تشيلسي. خلال المزاد قامت مجموعة من الرعاع بمهاجمة المنزل وسرقة ما استطاعت من الكتب، مستبيحة مكتبة «الوحش» الذي أدين قبل أشهر بتهمة «الصادومية» و«الفحش». ترك البائعون باب المنزل مفتوحا عن عمد لكي يستطيع الدخول كل من يشاء. تدافع الرعاع ليمدوا أيديهم إلى كل ما وقعت عليه.. وخلع بعضهم الأقفال. واستدعيت الشرطة متأخرة للفصل بين المتقاتلين على المحتويات. وأمام نافذة المكتبة وقف مدير المزاد يرفع ما بقي من الكتب وينادي عليها، تلك التي تهافت عليها الذين أرادوا أن يعرفوا ماذا يقرأ الكاتب الملعون. ودخل تجار التحف في مزاد حاد حول رسائل وايلد ومنسوخاته وأوراقه الخاصة، وبيعت مجموعته من الروايات الفرنسية بأبخس الأسعار، وكذلك الجوائز الأدبية التي نالها خلال سنوات الدراسة.

خلص البعض من خلال لائحة سلمت من أيدي السارقين إلى أن مكتبة وايلد كانت تضم 2000 كتاب، إضافة إلى اللوحات والمخطوطات والتحف. ذهبت معظم تلك الكتب إلى مكتبات الكتب المستعملة.. وهناك بحث عنها أصدقاء وايلد وأعادوا إليه منها ما استطاعوا. ولكن مكتبة وايلد التي بناها خلال 30 عاما تمت بعثرتها خلال نصف نهار.. وبعد عامين سوف يصف ما حدث بأنه أكثر الأشياء إيلاما في حياته. لكن تلك الكتب لم تبنِ فقط مكتبة تشيلسي؛ بل بنت، بصورة خاصة، واحدا من أهم كتّاب الإنجليزية.

في كتابه «مبنى من الكتب» حاول طوماس رايت أن يكتشف كيف صنعت تلك الكتب حياة وايلد الأدبية، وسعى إلى العثور على عناوينها وعلى لوائح المزاد العلني في ذلك اليوم الذي توزعت فيه مكتبة وايلد على أكشاك ومكتبات الكتب المستعملة.. من لائحة المزاد طلع رايت بواحد من أفضل الدراسات الأدبية.

هل كان بينها شيء من تراثنا؟ تمشيا مع قراءات الكاتب «الملعون»، كان هناك أثران «ملعونان»: «ألف ليلة وليلة» و«رباعيات عمر الخيام»، وكان هناك الكثير من كلاسيكيات الإغريق، وخطب شيشرون، والكثير من الأدب الفرنسي. أما ما هي الكتب التي «صنعت» وايلد أكثر من سواها، فإننا لا نعرف. ولا نعرف من من الأدباء صنعته كتابات وايلد.