تباطؤ النمو الائتماني في الخليج هل يعد مبعثا للقلق؟

TT

تكتسب فرص التقدم الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي الست، وهي: البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات المتحدة، زخما نتيجة ارتفاع أسعار النفط وحجم إنتاجه، لكن هل من المحتمل أن يلقي تباطؤ التقدم في الائتمان المصرفي في القطاع الخاص الذي تشهده المنطقة بظلاله على تلك النظرة المتفائلة؟

في وقت لا توجد به أي مؤشرات لتعافي الاقتصاد في بعض الدول، بالكاد يشهد ائتمان القطاع الخاص نموا في دول مجلس التعاون الخليجي رغم الجهود السياسية المبذولة لإنعاشه. على مدار خمس سنوات قبل الأزمة، شهدت دول مجلس التعاون ارتفاعا ملحوظا في الائتمان حفزته ظروف الاقتصاد الكلي الجيدة. وعندما وصل النمو الائتماني إلى الذروة عام 2005، تجاوز في دول مجلس التعاون 30 في المائة مقارنة بالعام الذي يسبقه.

وعند بداية الأزمة، أدت المحاولة العالمية لزيادة القوة المالية إلى فرض قيود مشددة على دول مجلس التعاون الخليجي، كما هو الحال في الأنحاء الأخرى من العالم. وحدث تباطؤ حاد في النمو الائتماني، وظل على حاله المتردي خلال عام 2010.

ولعبت العوامل المؤثرة على كل من العرض والطلب على الائتمان دورا فاعلا في هذا التباطؤ. فمن جهة العرض، في حين تم التغلب على القيود المفروضة على التمويل، أسهم تجنب المخاطرة الكبيرة وتبني سياسات إقراض أكثر صرامة وتراجع رغبة البنوك في التعويل على ما يسمى بـ«إقراض الاسم» في عرقلة الائتمان الجديد. أما من جهة الطلب، فيبدو أن الطلب على الائتمان في أكثر دول مجلس التعاون الخليجي قد تراجع مع انخفاض أسعار العقارات وتباطؤ مشاريع البناء والنمو غير النفطي وما يترتب عليه من تراجع ثقة المستثمر والمستهلك.

لكن إلى أي مدى سيعوق تراجع النمو الائتماني تقدم النشاط الاقتصادي على المدى القصير؟ ربما لا يكون التأثير السلبي لتباطؤ النمو الائتماني باعثا على القلق كما يبدو، وذلك لعدة أسباب؛ أولا يوضح التغير في النمو الائتماني الحاجة الملحة إلى إصلاح من أعلى معدلات النمو الائتماني، ربما غير المستدام، الذي شهدته سنوات الازدهار. كذلك هناك مؤشرات باتجاه استعادة ازدهار النمو الائتماني مقارنة بالعام الماضي، رغم تواضعه في البحرين (4.7 في المائة) وعمان (7.3 في المائة) والمملكة العربية السعودية (4.6 في المائة).

كذلك يبدو وضع النظام المصرفي جيدا على نحو مرض، حيث لا تزال معدلات كفاية رأس المال قوية. وتشير اختبارات الإجهاد التي يجريها صندوق النقد الدولي إلى قدرة المصارف بوجه عام على التعافي من الصدمات الشديدة. فضلا عن ذلك، فقد ساعد التقدم الملحوظ في إعادة هيكلة الشركات وإعادة الهيكلة المالية خلال عام 2010 على دعم ثقة السوق. ومن ثم؛ فالظروف مواتية لدعم استئناف النمو الائتماني، ولكن تدريجيا على الأرجح.

في الوقت ذاته يغطي إجمالي النمو الائتماني في القطاع المصرفي تطورات هامة. ويوضح النمو الائتماني توجها إيجابيا بعيدا عن القطاعات المتقلبة مثل شراء أسهم في قطاع الإسكان والعقارات وباتجاه القطاعات الأكثر استقرار مثل الصناعة والتجارة والخدمات، حيث شهدت هذه القطاعات في عدد من الدول نموا ائتمانيا قويا.

وأخيرا، لا توضح أرقام النمو الائتماني الصورة كاملة، فالقطاع الخاص يحصل على بعض القروض من خلال قنوات تمويل بديلة، فبعض الحكومات مثل حكومات قطر وأبوظبي تضمن الدين الأجنبي الخاص بالكيانات المرتبطة بالحكومة وتزيد بعض الحكومات، مثل حكومتي المملكة العربية السعودية وقطر، المبالغ التي تدفع مقدما للمقاولين. ونتيجة لذلك تقل الحاجة إلى السعي للحصول على قروض مصرفية لتغطية الحاجات المالية، وزادت المؤسسات الائتمانية المتخصصة، خصوصا في المملكة العربية السعودية، من إقراضها للقطاعات المحلية بشكل كبير. وبوجه عام يبدو أن الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي لديها حسابات نقدية كافية وقادرة على تمويل عملياتها من هذه الاحتياطات النقدية على المدى القصير.

هل هناك حاجة إلى سياسة؟ في حين تم ضبط السياسات المالية وسياسات صندوق النقد الدولي لتساعد دول مجلس التعاون في التعافي من تأثير الأزمة المالية، لا يعد هذا خيارا أبديا. ففي النهاية سيتعين على القطاع الخاص الاضطلاع بدور فاعل سيكون الانتعاش في النمو الائتماني بالقطاع الخاص بالنسبة إليه مهما.

ومثلما كان العرض والطلب عاملان من عوامل تباطؤ النمو الائتماني، ينبغي أن تستهدفهما السياسات؛ فمن جهة الطلب، من الجيد بالنسبة إلى سلطات أي دولة المحافظة على محفز مالي حين تكون هناك مساحة مالية وتيسير كمي في 2010، وربما في 2011. هذه السياسات بحاجة إلى تعديل بما يتفق مع مؤشرات زيادة التضخم التي ما زالت غير كبيرة نسبيا.

ستكون حوكمة الشركات والإفصاح المالي والشفافية أمورا أساسية في عملية تحسين عرض الائتمان. إضافة إلى ذلك؛ ستحتاج المصارف إلى بناء قدراتها على تقييم مخاطر الائتمان. كذلك ستحتاج المصادر المحلية البديلة إلى تمويل الشركات، خصوصا أسواق الدين المحلي أو الخارجي، إلى تطوير. ولن يساعد ذلك على تنوع قنوات التمويل في الاقتصاد وحسب، بل أيضا على تحسين معايير الإفصاح المالي.

ويعد ازدهار النمو الائتماني ضروريا لدول مجلس التعاون الخليجي لتعميق التنوع الاقتصادي الذي يمثل أكبر التحديات التي تواجهها كافة الدول الغنية بالموارد الطبيعية. وليس ذلك ضروريا للحد من تأثير الصدمات الخارجية والنمو الاقتصادي المتقلب وحسب، بل من أجل خلق فرص عمل للعدد المتنامي من شباب تلك الدول.

* رئيس قسم الشرق الأوسط ووسط آسيا

في صندوق النقد الدولي

* خاص بـ«الشرق الأوسط»