الأزمة المائية العربية ومخاطر التصحر

TT

تشير المصادر الجغرافية والتقارير الاقتصادية الصادرة عن الجامعة العربية والمؤسسات ذات الصلة إلى أن مساحة الوطن العربي تصل إلى نحو 1.4 مليار هكتار، حيث تشكل تلك المساحة 10% من مساحة العالم؛ في حين يشكل سكان الوطن العربي نحو 5% من سكان العالم. ولا يستحوذ الوطن العربي إلا على 0.5% من إجمالي حجم الموارد المائية العالمية المتجددة. وتقدر المصادر نفسها حجم الموارد المائية العربية المتاحة في الوطن العربي بنحو 295 مليار متر مكعب سنويا، لا يُستغل منها سوى 193 مليار متر مكعب أي نحو 75% من الموارد المائية، منها 87% هي من نصيب قطاع الزراعة في الوطن العربي، في حين يستحوذ القطاع المنزلي والصناعة على النسبة الباقية من إجمالي الموارد المائية العربية المتاحة.

وفي هذا السياق يُذكر أن متوسط نصيب الفرد العربي من الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي يصل إلى 890 مترا مكعبا سنويا، في حين يصل نصيب الفرد في أفريقيا بالمتوسط إلى 5500 متر مكعب سنويا؛ وفي آسيا 3500 متر مكعب؛ و7700 في العالم. واللافت أن المساحة المروية في الدول العربية تشكل نحو 15.7% فقط من إجمالي مساحة الأراضي المزروعة في الدول العربية، ويتسم الاستخدام الحالي للمياه في الزراعة المروية، بكفاءة متدنية، إذ يبلغ فاقد المياه أثناء النقل والتوزيع في الحقول ما يقارب 80 مليار متر مكعب. ويرجع ذلك أساسا إلى أن الأسلوب السائد في الري في الدول العربية، هو الري السطحي التقليدي الذي يشمل 90% من الأراضي المروية في الوطن العربي. وفي هذا السياق يذكر أن كمية الأمطار التي تتساقط على الوطن العربي تصل إلى 2286 مليار متر مكعب سنويا. وبشكل عام ثمة ثلاث عشرة دولة عربية ترزح تحت خط الفقر المائي خلال السنوات الأخيرة، ويضاف إلى ذلك أن الدول العربية مهددة بتناقص في كمية المياه التي ترد من الخارج والتي تمثل نحو 50% من حجم المياه المتاحة؛ وذلك مثل المياه الواردة عبر نهر النيل إلى كل من مصر والسودان؛ وعبر نهري الفرات ودجلة إلى كل من العراق وسورية.

تشير الدراسات المختلفة حول الزراعة والموارد المائية العربية إلى أن ظاهرة التصحر آخذة في التوسع في ظل اتباع نفس السياسات المائية، حيث من بين المساحة الجغرافية للوطن العربي 1.4 مليار هكتار، لا تتجاوز مساحة الأراضي القابلة للزراعة 197 مليون هكتار، تمثل نحو 14.1% من إجمالي المساحة العامة للوطن العربي. وتتسم الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي بظاهرة لها دلالات استراتيجية غاية في الأهمية للأمن المائي، وهي أن نحو نصف هذه الموارد ينبع من خارج الوطن العربي، لذلك، وبجانب الأسباب الطبيعية، فإن هذا الأمر يجعل هذه الموارد عرضة للنقص والتدهور في النوعية نتيجة عوامل استراتيجية، أو استخدامات جائرة، مما يؤكد أهمية العمل على وضع التشريعات الدولية التي تتضمن حقوق الدول العربية وبشكل خاص مصر والسودان وسورية والعراق، وحسن تنفيذها من قبل جميع الدول المعنية سواء المتشاطئة على نهر النيل؛ وكذلك المتشاطئة على نهري دجلة والفرات.

ويبرز التحدي الإسرائيلي أيضا بكونه أحد التحديات التي يواجهها الأمن المائي العربي أيضا، حيث استطاعت إسرائيل السيطرة على نحو 81 في المائة من إجمالي الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين والبالغة 800 مليون متر مكعب سنويا. إن التحديات المذكورة إضافة إلى الزيادة السكانية العالية في الوطن العربي، والتي ستؤدي إلى ارتفاع سكانه من 360 مليون نسمة عام 2010 إلى 720 مليون نسمة في عام 2030، فضلا عن الاستخدامات التقليدية والفاقد الكبير في المياه، ستؤدي في حال عدم وضع استراتيجية عربية لمواجهة ذلك، إلى احتمالات ارتفاع وتيرة العجز المائي العربي لتصل إلى نحو 320 مليار متر مكعب بحلول العام المذكور.

إن الأزمات المائية العربية الآخذة بالتصاعد باتت تتطلب من الدول العربية والمؤسسات ذات الصلة في الجامعة العربية اتباع خيارات وسياسات جمعية محددة لمواجهة شح المياه والفجوة الغذائية العربية، فضلا عن استغلال بعض دول المنبع للأنهار بعيدا عن القانون الدولي وحصة الدول العربية منها؛ ومن تلك الخيارات والسياسات:

1) إعطاء الخلاف المائي بين أي دولة عربية ودول أخرى حول تقاسم المياه بعدا عربيا.

2) رفع كفاءة استخدام المياه في الدول العربية من خلال تطوير نظم وأساليب الري الحالية.

3) ترشيد استخدام المياه سواء مباشرة أو بصفة غير مباشرة من خلال التسعيرة، وضرورة اتباع سياسات من شأنها التوسع في المحاصيل الزراعية ذات القيمة العالية والمستخدمة لأقل كميات من المياه، والأمر الذي تفرضه ندرة المياه في الدول العربية واحتمالات حصول عجز مائي كبير بعد عقدين من الزمن.

4) الخيار الأهم يكمن في ضرورة استخدام المياه غير التقليدية من مياه الصرف الصحي المعالجة وتحلية المياه، من خلال دعم البحث العلمي العربي لترسيخ تكنولوجيا تحلية المياه التي من المتوقع أن يتطور استعمالها في الدول العربية خارج منطقة الخليج.

5) وتتطلب الضرورة التخطيط المتوازن، من خلال الربط بين الزيادة المتوقعة لسكان الدول العربية والطلب المتوقع على المياه في مجالات الاستخدام المختلفة.

والأهم من ذلك أن الضرورة تحتم التنسيق بين كافة الدول العربية في مجال تطوير البحث العلمي في استخدامات المياه، والتفاوض بشأنها في كافة المحافل الإقليمية والدولية، واعتبار الأمن المائي العربي جزءا من الأمن القومي العربي، وهذا بحد ذاته يعتبر مدخلا أساسيا للحد من تفاقم المسألة المائية العربية وانتشار ظاهرة التصحر في الوطن العربي. ولا يمكن اكتمال دائرة مواجهة الدول العربية للتحديات التي تهدد الأمن المائي العربي، من دون معرفة حقيقة الأطماع الإسرائيلية، والزحف الإسرائيلي المبرمج لسرقة مزيد من كميات المياه العربية في جنوب لبنان والجولان المحتل ومن المصادر المائية المتاحة في الضفة الفلسطينية، حيث تسيطر السلطات الإسرائيلية على نحو 81% من إجمالي الموارد المائية الفلسطينية البالغة نحو 800 مليون متر مكعب سنويا، وتعمل إسرائيل جاهدة من خلال مشاريعها الاستيطانية وبخاصة مشروع الجدار العازل في عمق الأراضي العربية المحتلة للإبقاء على السيطرة الإسرائيلية الكاملة على مصادر المياه العربية، وهذا ما يفسر أن القسم الأكبر من كمية المياه الفلسطينية ستبقى - وفق الخرائط المختلفة لمسار الجدار - غرب الجدار العازل العنصري، الذي سيعزل المدن والقرى الفلسطينية في الضفة في كانتونات في مواجهة المستوطنات والمستوطنين فيها، حيث بات يستهلك المستوطن الصهيوني خلال الأعوام الأخيرة - حسب دراسات منظمات وهيئات دولية - ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني صاحب الأرض الشرعي.

* كاتب وباحث فلسطيني مقيم في سورية