الحروب الناعمة

TT

هناك الحروب الساخنة، التي عرفها العالم من خلال مواجهات عسكرية مباشرة بين جيوش نظامية، والأمثلة في ذلك معروفة، من خلال الحروب العالمية الكبرى أو الحروب الإقليمية مثل فيتنام وكوريا والحروب العربية – الإسرائيلية، وغيرها.

وهناك الحروب الباردة التي عُرفت في الحقبة الأخيرة من القرن الماضي وكانت بين المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والمعسكر الشرقي، بقيادة الاتحاد السوفياتي، الذي سرعان ما تدهور وانهار.

الآن عسكريا لا توجد قوة تضاهي وتوازي قوة الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي قيام حرب باردة مجددا غير وارد؛ لذلك هنا لفظ جديد مناسب يطلق على ظاهرة موجودة، هي المواجهة بين قوة عظمى وقوة إقليمية في مواقع بعيدة، واللفظ هو «الحروب الناعمة»، وما يحدث الآن على أرض ساحل العاج يظهر مشهدا من مشاهد الحرب الناعمة بين الولايات المتحدة وإيران.

الولايات المتحدة تؤيد اختيار الحسن وتارا رئيسا للبلاد، باعتباره فاز بالانتخابات بشكل شرعي، وإيران، عبر جالية لبنانية شيعية، تتبع بشكل أساسي مرجعية حزب الله، ولها نفوذ اقتصادي هائل وثراء مهول بسبب تجارة الماس بشكل أساسي، ويبلغ تعدادها ما يزيد على 100 ألف شخص يؤيدون الرئيس الحالي غباغبو وجيشه القوي، ولديهم معه علاقة «وثيقة» ومتداخلة، وقد عرضت إيران على الرئيس غباغبو الدعم المادي والمعنوي والعسكري، وأوفدت قائد وحدة أفريقيا في قوة القدس علي أكبر طبطبائي مع ميليشيات أفريقية، وتم إدراجهم في الحرس الوطني للتحكم بالعامة وحتى إطلاق النار عليهم إذا اقتضى الأمر، والصفقة هذه تمت بنفوذ وتأثير كبير من مجموعة رجال أعمال لبنانيين مقيمين في ساحل العاج ولهم علاقات قوية جدا بالنظام وهدفهم هو أن يسمح لهم النظام بإرساء المذهب الشيعي وسط المسلمين الموجودين بكثرة وبشكل أساسي في الشمال وحصلوا بطبيعة الحال على مبالغ طائلة من إيران لتمكينهم من القيام بذلك. التركيبة السكانية لساحل العاج توضح أن نسبة المسلمين تبلغ 60% و30% من المسيحيين والبقية يهود ووثنيون وديانات أفريقية محلية.

وأغلبية المسلمين في ساحل العاج هم من أهل السنة، وأغلبهم من أتباع المذهب المالكي ونسبتهم من المسلمين هي 55% بحكم تبعيتهم لمشايخ دول المغرب العربي الذين يتبعون أهل المذهب نفسه، وهناك وجود للحنابلة والشافعية وقليل من الأحناف مع وجود للسلفية وللصوفية والشيعة والبهائية أيضا.

ويتصدى لمشروع التشيع في ساحل العاج شخصية مثيرة للجدل سبق أن طُرد من ساحل العاج في صيف 2009 بتهم أميركية تخص تمويل حزب الله، وتلتها عقوبات اقتصادية بحقه وحق مؤسساته؛ وذلك لأنه كان يجتمع بمسؤولين نافذين من الحزب ويجمع معهم ولهم الأموال.

وقد صرح هذا الرجل لصحيفة عراقية في شهر أغسطس (آب) الماضي بأن مشروع التشيع في ساحل العاج يسير بشكل منتظم وأنه سيكون المذهب الأوحد خلال 10 سنوات.

وهذا المشهد ليس بحالة انعزالية؛ فإيران تصرف مئات الملايين من الدولارات لنشر فكرة الثورة الخمينية والمذهب الشيعي في دول أفريقيا، إيران تروج أن لها نجاحات هائلة ومميزة في نيجيريا، كبرى الدول الإسلامية في أفريقيا، وأن آخر مناسبة لإحياء ذكرى عاشوراء هناك حضرها 6 ملايين شخص (والرقم مرجح أن يكون مبالغا فيه ولكن العدد كان كبيرا).

الحرب الناعمة مستمرة.. ومشهد ساحل العاج والصراع على كرسي الرئاسة بين شخصية زورت الانتخابات تدعمها إيران وشخصية مسلمة فازت بالانتخابات تدعمها أميركا وسائر العالم، فصل من فصول مقبلة أكثر إثارة.. ترقبوها.