الحقيقة بشأن الاعتداءات في كوسوفو

TT

لاهاي - ينبغي على الأميركيين أن يشعروا بانفضاح أمرهم بسبب ما تضمنه تقرير مجلس أوروبا حول الجريمة المنظمة، خاصة في كوسوفو التي أغلب سكانها من الألبان والتي تدين بوجودها إلى الولايات المتحدة. ويتضمن التقرير الذي كتبه ديك مارتي، المدعي العام السويسري، مزاعم بارتكاب قادة كوسوفو جرائم شائنة ومزاعم أخرى بتجاهل دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين ومسؤولين في الأمم المتحدة في كوسوفو لما حدث من انتهاكات للحفاظ على «الاستقرار السياسي».

وشن قادة كوسوفو حملة إعلامية مقيتة لتشويه سمعة مارتي وما اكتشفه، وهددوا بملاحقة الألبان الذين ساعدوا في هذا التحقيق. هناك حاجة ماسة إلى صوت واشنطن حاليا لوضع حد للفتنة في كوسوفو ولتوجيه الرأي العام نحو إجراء تحقيق جنائي دولي وإقامة دعاوى قضائية إن استدعى الأمر.

يستند التقرير إلى شهود عيان ألبان وأفراد من الداخل بالإضافة إلى وكالات استخبارات وشرطة لدول غربية لا إلى حكومة صربيا التي تعد العدو اللدود للألبان. وتشير نتائج التحقيق إلى تهريب مخدرات ونساء وتتضمن سردا لحالات اختطاف لنحو 500 من الصرب والألبان وأفراد من أعراق أخرى في كوسوفو وإرسال هؤلاء الضحايا المختطفين إلى معسكرات سرية في ألبانيا وقتل كل من تم اختطافهم تقريبا. وكذلك يزعم التحقيق سرقة الأعضاء الداخلية لبعض المختطفين. ويزعم التقرير أن حالات القتل حدثت في الفترة من منتصف عام 1999 إلى منتصف عام 2000 بعد أن طردت حملة قوات حلف الناتو بالقاذفات القوات الصربية من كوسوفو. ويسمي التقرير رئيس الوزراء هاشم ثاتشي الذي ظل لسنوات طويلة رجل أميركا النابغة في كوسوفو بالإضافة إلى عدد من رفاقه القدامى في جيش تحرير كوسوفو، وهو كيان يضم خليطا من المتمردين قاوم صربيا.

وعلمت واشنطن بأمر الاختطاف بعد أسابيع من احتلال قوات حلف الناتو لكوسوفو في يونيو (حزيران) عام 1999. وسرعان ما رد الدبلوماسيون الأميركيون على استغاثات صربيا من خلال الطلب من قادة جيش تحرير كوسوفو وقف عمليات الاختطاف وبالفعل تراجعت العمليات لكن لم يعرف شيء عن المختطفين. بعد ذلك تصدر الاستقرار السياسي في كوسوفو قائمة أولويات الولايات المتحدة والأمم المتحدة التي امتنعت عن إجراء تحقيقات جنائية بشأن عمليات الاختطاف. وبحسب مصادر ألبانية وأميركية، نصح دبلوماسيون أميركيون رفيعو المستوى بكوسوفو ثاتشي وقادة آخرين بعدم اتخاذ أي إجراء، والانتظار حتى تهدأ العاصفة، وذلك في ربيع 2008 عقب نشر كارلا ديل بونتي، السويسرية ورئيسة الادعاء العام السابقة لجرائم الحرب لدى الأمم المتحدة، مذكرات جاء بها ذكر لعمليات القتل وإشارة إلى بيانات موثوق بها خاصة بزراعة الأعضاء. ومنذ ذلك الحين لم تفعل حكومة كوسوفو والحكومة الألبانية سوى إنكار ارتكاب هذه الأفعال.

لا يهاجم تقرير مارتي شرعية كوسوفو، فكثير من الألبان، إن لم يكونوا جميعا، يعلمون هذا جيدا لكن خوفهم يمنعهم من الإفصاح عن ذلك. يرجع هذا من جانب إلى تفشي الفساد والعنف في كوسوفو ومن جانب آخر إلى إدانة ثاتشي وقادة آخرين للتقرير واعتباره تعديا على سيادة حكومة كوسوفو والشعب الألباني وشرعية جيش تحرير كوسوفو.

في يوم عيد الكريسماس نشرت الصحف تهديد ثاتشي بتسمية كل ألباني ساعد مارتي. وفي بلد يقتل فيه الشهود على جريمة لإسكاتهم، قد تثير كلمات ثاتشي هجمات ضد أفراد من الأقليات وخصوم سياسيين وصحافيين وأجانب. يجعل هذا التهديد والحاجة إلى دعم سيادة القانون في كوسوفو وألبانيا على المدى الطويل الولايات المتحدة ملزمة بإصدار بيان قوي ومؤثر وممارسة دبلوماسية أبواب مغلقة صارمة. وينبغي على الولايات المتحدة أن تستفسر عن كل تفاصيل تقرير مجلس أوروبا وتطلب إطلاع مارتي لها على المصادر التي لا يمكنه نشرها لدواع أمنية. وفي حال التأكد من صدق المصادر والأدلة، على الولايات المتحدة أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في تأسيس كيان قادر على إجراء تحقيق جنائي وإقامة دعاوى قضائية إن لزم الأمر. وينبغي أن يتمتع هذا الكيان بحماية الشهود. كذلك ينبغي أن تطلب واشنطن من كوسوفو وألبانيا التعاون الكامل، وفي حال عدم قيامهما بذلك، ينبغي أن تلجأ الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى القوة لإجبار المسؤولين عن عدم التعاون على الاستقالة من مناصبهم. كذلك على واشنطن التأكد من أن صربيا وروسيا والدول الأخرى لا تسيء استخدام تقرير مجلس أوروبا من أجل تقويض شرعية كوسوفو.

* الكاتب اشترك في محكمة جرائم الحرب في يوغوسلافيا التابعة للأمم المتحدة من 2001 إلى 2005. وشارك في كتابة مذكرات كارلا ديل بونتي «المدعية العامة»

* خدمة «واشنطن بوست»