إعلان مجاني

TT

مشكلتي المزمنة التي أعلنها دائما على الملأ، ودون أي خجل: أنني سريع التصديق لما أسمع ولما أقرأ، و(أسخم) من ذلك كله أنني أيضا سريع التجريب إلى درجة التهور، ولا أدري متى وكيف أتخلص من هذه العلة؟!

وعلى كثرة ما أكلت على رأسي من تعدد الخيبات لم أتعلم ولم أرعوِ، ولا شك أنني بذلك لست بقدوة، وهذا هو الشيء الوحيد الذي بززت فيه جميع العالمين.

وقبل أيام بينما كنت جالسا في صالون عيادة طبية أنتظر دوري للتنظيف والتشييك على طقم أسناني العزيزة، أخذت أتصفح مجلة طبية وفنية في نفس الوقت، وإذا بي أقرأ الإعلان التالي:

«هل جربت يوما الاسترخاء في مغطس الحمام فيما الشموع المعطرة تحترق حولك لتملأ المكان بروائحها الزكية التي تساعدك على الاسترخاء والإحساس بالطمأنينة؟ إن هذه ليست مبالغة، فقد ثبت أن الشموع المعطرة المكونة من خلاصات الزيوت الأساسية تساهم في تلطيف مزاجك ومدك بالطاقة اللازمة لمواجهة مشكلات اليوم والاستعداد لليوم التالي.

إذن لا تقتصر مهمة الشموع المعطرة على تلطيف الجو وتحسين الرائحة فقط.

فهي تمتلك مزايا علاجية أيضا ولديها تأثير كبير على الصحة الجسدية والعقلية وحتى العاطفية».

وما هي إلا دقائق حتى أتتني الممرضة ووقفت على رأسي - أقصد وقفت أمامي - وقطعت علي انهماكي في القراءة قائلة لي بغنج ممجوج: (تفدل) مسيو، فقلت لها: حاضر.

أخذت المجلة معي وتفضلت بالدخول أشد على يد الطبيبة التي هي أيضا بالمقابل أخذت تشد على يدي، وبعد أن انتهينا من فاصل الشد الذي لم يستمر أكثر من خمس دقائق، وقبل أن أجلس على الكرسي، فردت أمامها الصفحة التي فيها الإعلان لأستمزج رأيها في تلك الشموع؛ مدى نجاعتها ومصداقيتها، فأيدت بحرارة مصداقية ذلك الإعلان، وكيف أنها باستمرار تفعل ذلك في الحمام لتجدد حيويتها، وتأكيدا لكلامها دارت أمامي حول نفسها (180) درجة ثم سألتني وهي تبتسم: هاه، كيف شفت حيويتي؟!

رفعت إبهامي على فوق قائلا لها: خلاص اقتنعت، ثم جلست على الكرسي قائلا لها: هيا شوفي شغلك، وبعدها أسندت رأسي للخلف (وفغرت) لها فمي، فما كان منها إلا أن دحشت فيه (كماشة) أو بمعنى أصح فتاحة، أي ان براطمي العلوية والسفلية أصبحت شبه مشنوقة، وأسناني مع أضراسي تعلن عن نفسها بكل وضوح تحت رحمتها التي لا ترحم، وبدأت هي تعبث وتلعب بأسناني كيفما شاءت، تحت وقع موسيقى ذكرتني بالموسيقى التصويرية لبعض أفلام (هتشكوك) المخيفة.

وما ان انتهيت وانعتقت من ذلك حتى ذهبت رأسا إلى عنوان المحل الذي تباع فيه تلك الشموع، واشتريت أربعا منها، وحالما وصلت إلى منزلي ملأت بحماسة البانيو بالماء، وأشعلت الشموع ووضعتها على أطراف البانيو وتمددت في داخله مثلما تتمدد المومياء، وأغمضت عيني ورحت أحلم بالصحة الجسدية والعقلية وخصوصا العاطفية، وما هي إلا دقائق حتى تسللت الروائح العطرية النفاذة إلى خياشيمي، (وعينكم ما تشوف إلا النور)، وإذا بموجة هائلة من العطاس المتكرر والعنيف تجتاحني إلى درجة أن الدموع غطت كل وجهي، وهببت واقفا على حيلي أترنح لكي أطفئ تلك الشموع اللعينة، غير أن توازني أختل فزلقت على أرضية الحمام والحمد لله أن ربي سلم رأسي من الارتطام بالبلاط، كل هذا حصل وأنا ما زلت أعطس حتى بعد أن أطفأت الشموع، واستمر معي ذلك العطاس، دون مبالغة، عدة ساعات حتى خلت أن ضلوع صدري تكاد تتمزق.

وهذا إعلان مجاني غير مدفوع الثمن لمن أراد أن يخوض تلك التجربة.

[email protected]