العوض بسلامتكم!

TT

كالغراب وهو يحوم على فريسته الميتة، كانت اللمعة الفرحة الشامتة في عيني العماد ميشال وهو يزف خبر نهاية المبادرة السورية – السعودية، لاحتواء الأزمة اللبنانية الحالية (هل هناك من يستطيع إعلامنا أصلا كم عدد الأزمات اللبنانية التي مرت للآن؟!) وهي المبادرة التي كان يطلق عليها اللبنانيون لفظ (س - س)، والكثير يؤكدون أنه لم تكن هناك مبادرة أصلا، ولكن اللبنانيين كعادتهم أرادوا تحميل النجاح والفشل على غيرهم وإخلاء المسؤولية، لأنهم تخصصوا في التدمير فقط وليس في الصلح. تعود قصة مشكلات لبنان الرتيبة والمملة على السطح لتسرق الاهتمام والأضواء من مشكلات أهم وأخطر. فأحداث الجزائر وتونس والتهديد الشبيه المنطلق من موريتانيا ينذر أن أزمة البطالة والفساد هي قنابل تنفجر على الصعيد والساحات الاجتماعية بعد أن تفاقمت الأمور بشكل لم يعد محتملا. معدلات البطالة وصلت لمراحل قياسية في العالم العربي، وأرقام «النمو» التي تروج لها بعض الوزارات لم تعد مقبولة في ظل عدم انعكاسها على قدرة الاقتصاد في تكوين وظائف وفرص عمل جديدة حقيقية؛ لأن الاقتصادات التي تعتمد على مداخيل، جراء الدخول من السلع الطبيعية والعقار والأسهم، هي اقتصادات أشبه بالافتراضية في العالم اليوم.

حقائق لا يمكن إغفالها أن مشكلة البطالة حالة عالمية، وأن معدلاتها كبيرة في الأسواق الصناعية ولكنها في العالم العربي كارثية.

عالميا يوجد أكثر من 300 مليون عاطل عن العمل وتوجد مشكلة «تسعير» للاقتصاد تفاقم مشكلة التوظيف، فحرب العملات الموجودة (وهي المسألة التي أنكرها بشكل غريب أحد رؤساء البنوك المركزية العربية!) تساهم في ازدياد معدلات البطالة.

فالصين تخشى رفع سعر عملتها حتى لا تصاب بالتضخم فترتفع أسعار أياديها العاملة فتصبح تكلفتها عالية على المصنعين فيها فيصاب أهلها بالبطالة، وهو ما حدث لأوروبا وأميركا. اليوم أميركا تسعى بقوة لأن يبقى الدولار ضعيفا جدا، حتى يمكنها ذلك من زيادة صادراتها، وأوروبا صاحبة العملة المهددة أصبحت فعليا اليوم أكبر شريك للصين.

وهناك تطور آخر خطير يخص تسعير البترول باليورو؛ إذ إنه مع الوقت بات 40% من إجمالي ما ينتج ويصدر من البترول مسعرا باليورو، وبالتالي ستكون علاقة الدولار مع السلع الكبرى موضع مراجعة عما قريب، حتما كل ذلك له انعكاساته المباشرة على قدرات الدول في تنفيذ خططها الاقتصادية وجلب الاستثمار وتوظيف أبنائها شريطة تحسين المناخ الاستثماري فيها بشفافية ومحاسبة وعدالة ومراقبة وتطوير للقضاء وإزالة للوساطة والمحسوبية ومعاقبة المخطئ، وهي كلها مطالبات ليست بالجديدة ومعروفة. ويبقى التحدي في جدية التطبيق والإيمان بجدوى تنفيذه. أما لبنان فهو كالاسطوانة المشروخة، وإذا كان أهله غير راغبين في حل أموره دون تدخل من الآخر فلن يكون الآخر أكثر حرصا منهم عليه.. ببساطة!