سرب روائيين كبار

TT

يعمد جيل من الروائيين اللبنانيين، دونما سابق اتفاق أو تقليد متبع، إلى كتابة سيرتهم الذاتية من خلال ذاتيات أخرى، كشهود لا كأبطال. وجميعهم متقنون، رغم اختلاف الطريقة. وجميعهم ينحون منحى التفاصيل المشبعة، والتذكر الوصفي، دون شرح أو تعليق أو مطاطية منفلوطية. وفي هذه الفترة صدرت ثلاثة أعمال متقاربة لثلاثة مبدعين: الشاعر عباس بيضون، «فرانكشتاين»، والروائي حسن داود، «فيزيك»، و«شريد المنازل» لجبور الدويهي. كاتبان من الجنوب وآخر من الشمال، يرسمون صورة القرى والطفولة في الستينات: الجنوبيان، قبل وصول الحرب، وقبل الهجرة العامة إلى المدينة، والشمالي ينهل، كما فعل في الماضي، من حروب مدينته، زغرتا، ثم من حروب لبنان، لكي يضع الفرد الأعزل في مواجهة المصير، والضعيف في مواجهة تيارات السحق وطفرة الغرائز ووحشية الجهل.

يبحث حسن داود بين أفراد أسرته وفي مسارهم، عن طراوة المرحلة وسعادة الذكريات، رغم وعورتها. ويغوص عباس بيضون في طيفه الملون بالملح والشوك والهزء من النفس. ويبقى جبور الدويهي ضمن خطه الروائي الاحترافي، مثل بناء يشيد صرحا ثم يدعو الجميع إلى هدمه. ويجمع بين الثلاثة، ولو على تفاوت واختلاف، تأثر واضح بالأدب اللاتيني أو بأدب المذكرات الفرنسي، مع أن ينبوعهم لغة عربية رقراقة وثقافة عربية عريضة وعميقة.

أرجو ألا يعتبر أحد أنني أقلل من قيمة وموقع أحد من الثلاثة، بجمعهم في مقال واحد. أفعل ذلك لأنهم يشكلون ظاهرة أدبية، متشابهة، وذات مقام واحد. ويشكلون تفاؤلا وراحة نفس، في مواجهة النزعة الطاغية عند شبان وشابات المرحلة، وهي الإغراق في الإسفاف الجنسي، واعتماد الإباحية سبيلا وحيدا إلى الشهرة والرواج. ويكثر هذا المنحى عند النساء، حيث يبدو وكأنه ليس للمرأة العربية من هم أو مشاعر أو يأس أو غبطة أو أمل، خارج المخادع.

إننا نشهد مرحلة مراهقة مبتذلة ومؤسفة في عالم الأقلام النسائية. وأسوأ ما في هذا السرب من الروايات، الافتعال الواضح، والتصنع، وادعاء عالم لا حقائق فيه، إلا ما تم توضيبه وتوليفه لغايات السرد الممل والمكرر والخالي من أي أصالة فكرية.