تمنيت أن أكتب كما يغني عبد الوهاب!

TT

وأنا صغير كنت أستمع إلى أغاني عبد الوهاب وأفضلها على كل الأغنيات الأخرى. ولا أعرف السبب. وكنت أطلب إلى كل من أعرف من الفلاحين الذين يعملون في حقول القطن أن يغنوا لعبد الوهاب: «مين زيك عندي يا خضره».. «أحب عيشة الحرية».. «النيل نجاشي».. وغيرها من روائع عبد الوهاب.

وشيء عجيب أن أقف في البلكونة أثناء الغناء.. يعني أنا فوق والمطرب تحت.. لماذا؟ لا أعرف..

ربما كان غناء عبد الوهاب هو الذي أقنعني بأن أغني أنا أيضا.. وأن أذهب في حبي لعبد الوهاب لدرجة أنني كنت أغني في المدرسة. ولم يقل لي أحد إن كان صوتي جميلا. ولماذا.. ولكن وجدتني في كل حفلة أغني لعبد الوهاب. وترسخ في نفسي وفي عقلي أنني لا بد أن أغني على مستوى أكبر.. إلى أن التقيت بعبد الحليم حافظ والموسيقار كمال الطويل والشاعر الغنائي مأمون الشناوي وذهبنا معا ليسمع عبد الوهاب صوتي ويقول إن كنت أصلح أو لا أصلح. فإذا قال إنه يصلح سوف أترك تدريس الفلسفة في الجامعة والكتابة في الصحف. ولكن الحمد الله لم يسمع عبد الوهاب صوتي.

ثم فكرت.. هل أنا أحب عبد الوهاب المطرب أم عبد الوهاب الموسيقار؟.. أيقنت أنني أحب الموسيقار.. فما الذي أحبه فيه.. بيني وبين نفسي قلت: أنا أحب عباراته الموسيقية الواضحة.. وانتقاله الموسيقي من طبقة إلى طبقة بمنتهى السهولة. إذن أنا أحب عبد الوهاب المهندس.. عبد الوهاب الشاعر.. أي أنني كنت أتمنى أن أكتب بالكلمات مثل الذي يغنيه عبد الوهاب بالنغمات.. ولكن المشكلة عندي أن هذا المعنى لم يكن واضحا.. ولا عرضته على أحد المشتغلين بالموسيقى. ولكن هذا رأيي الذي لا أعرف كيف أغيره وأوضحه لنفسي ولغيري بعد ذلك.

وفوجئت بالموسيقار كلو دوبيس (1862 - 1948) يقول إنه أقرب إلى الرسامين والشعراء منه إلى الموسيقيين.. ولذلك كان يتحدث عن أثر الأدب والشعر في موسيقاه!

هو يتحدث عن أثر الرسم والشعر في الموسيقى. وأنا الصغير كنت أتمنى أن أكتب كما يؤلف عبد الوهاب - أي أنني أتحدث عن أثر الموسيقى في الأدب. ولما أيقنت أنني كنت أحب عبد الوهاب الشاعر والأديب عدلت نهائيا عن الغناء. فقد كانت أمنياتي أن أكتب وأن أقول كلاما سهلا مثل عبارات عبد الوهاب: السهل الممتنع على الآخرين!