عام 2010: عام الآثاريين المصريين دون منازع!

TT

سألني صحافي فرنسي: ما هي أهم الاكتشافات الأثرية التي حدثت خلال العام الماضي 2010؟
قلت له: إن أهم اكتشافات عام 2010 كانت اكتشافات مصرية خالصة.. تمت على أيدي آثاريين مصريين على درجة عالية جدا من الخبرة والكفاءة، ولذلك يمكننا القول إن عام 2010 هو عام الآثاريين المصريين. أما عن أهم الاكتشافات الأثرية فهو بالطبع الكشف عن الغموض الذي أحاط سرداب الملك «سيتي الأول»، والذي حير العلماء، وكان آخر من حاولوا الكشف عن أسراره هو الشيخ علي عبد الرسول في عام 1960 - يعني منذ نحو نصف قرن!

ولكن الذي حدث أنه بعد وصوله إلى ما يقرب من 130 مترا داخل السرداب المظلم لم يستطع عماله التنفس أو الحركة نتيجة الغبار الكثيف وقلة الأكسجين، ولأنه لم يكن ينقل الرديم الموجود داخل السرداب إلى خارج المقبرة وإنما يقوم بحفر نفق صغير له ولرجاله داخل النفق الأصلي، ولذلك أوقفت مصلحة الآثار أعمال الحفر في ذلك الوقت. وظل الشيخ علي يصرخ لكل من يقابله قائلا أنا على ثقة من أن كنوز الملك «سيتي الأول» لا تزال مدفونة داخل هذا السرداب..!

وإلى الآن لا أعرف بالضبط سبب تلك الثقة الزائدة التي كانت عند الشيخ علي عبد الرسول! والذي حدث أنني قابلته وجلست معه مرات كثيرة في عام 1973، بل وذهبت معه إلى فتحة السرداب داخل مقبرة الملك «سيتي» بوادي الملوك، ولم يفسر لي الشيخ علي سبب إيمانه بأن كنوز المقبرة ما زالت موجودة داخل هذا السرداب.. ولم يحاول علماء الآثار الحفر داخل السرداب لخوفهم من انهيار المقبرة، ولكن جاءت ساعة الحسم عام 2007 عندما حاولت مع فريق العمل المساعد لي الكشف لأول مرة عن أسرار سرداب الملك «سيتي» في عام 2010.

بدأنا العمل داخل السرداب بتدعيمه بدعامات صلبة متصلة بعضها ببعض لتدعيم السقف حتى نتمكن من إزالة الرمال والأحجار المنهارة داخل السرداب، وكذلك قمنا بعمل مشاية من الخشب لكي يسهل تحرك العمال وفريق العمل داخل السرداب. أما إزالة الرديم والأحجار فكانت تتم عن طريق عربات صغيرة تسير على خطوط حديدية تم تركيبها داخل السرداب، وكنت أستعمل هذه العربات في النزول والصعود وهي عملية شاقة جدا، خاصة إذا علمنا أن بداية النفق من عند حجرة الدفن التي تقع أسفل الجبل ومدخل الوادي بمسافة أكثر من 90 مترا، بعدها نقوم بالنزول إلى عمق السرداب الذي وصل إلى أكثر من 170 مترا أسفل حجرة الدفن..

شيء مرعب حقا، تخيل وصول الفراعنة إلى هذه الأعماق، ونحت سرداب ضخم تطلب منا العمل لمدة ثلاث سنوات إلى أن وصلنا إلى تنظيف وتدعيم كل المنطقة التي وصل إليها الشيخ علي ورجاله، واتضح لنا أنه فقد المسار الصحيح للسرداب وبدأ يحفر ورجاله فوق جسم السرداب الأصلي، الأمر الذي كلفنا الكثير من الجهد والوقت لتصحيح أعماله وترميم الجسم الأصلي للسرداب. وقد استطعنا الكشف عن 54 درجة حجرية بطول أكثر من مترين، وبعد ذلك وصلنا إلى صالة منحوتة في الصخر، وعثرنا على نص هيراطيقي يقول: «ارفع السقف ووسع البوابة»، وهي عبارة عن أوامر من المهندس المعماري للعمال الذين يعملون داخل هذا السرداب، وبعد ذلك وجدنا 37 سلمة منحوتة في الصخر أيضا، والمفاجأة التي أذهلتنا هي أن نهاية هذا السرداب كانت على مسافة 174.5 متر، وأنه مسدود في نهايته، أي لم يتم استكمال أعمال الحفر به.

وهناك حقيقة يجب أن نركز عليها، وهي أن هذا السرداب هو عبارة عن مقبرة ملكية داخل المقبرة الأصلية، أي أن المصري القديم قد نحت وزين الـ98 مترا الأولى للمقبرة، وبعد ذلك فكر في نظام جديد للعمارة وهو عمل هذا السرداب، ولكن نظرا لأن الملك حكم 12 عاما فقط فلم يستطع المهندس المعماري استكمال المخطط الجديد للمقبرة، وهذا واضح في الدرجة الحجرية الأخيرة رقم 38، التي بدأ العمال في نحتها وتوقفوا دون استكمالها لتؤكد نظريتي، وربما يكون ابنه «رمسيس الثاني» قد نجح فيما لم ينجح فيه أبوه «سيتي».. وهذا ما سوف نبحث عنه إن شاء الله عام 2011، والله الموفق.