الملالي والأفاعي النائمة

TT

السؤال: ما هو سبب المأزق السياسي الحالي في إيران؟

الإجابة: استيقاظ بعض الأفاعي النائمة وتربصها في مخبأ لعض رجل الدين الشيعي.

تردد السؤال على لسان الكثير من الأشخاص في طهران على مدار عام. وجاءت الإجابة من علي أكبر هاشمي رفسنجاني الناجي البارز من السياسات الخمينية.

ففي مقال افتتاحي نشر على موقع رسمي هذا الأسبوع، لم يُسم رفسنجاني الأفاعي النائمة. لكنه حذر في مقاله من أن هدف أعداء الثورة الإسلامية هو إعادة الملالي مرة أخرى إلى المساجد، وقال رفسنجاني «إن الأفاعي النائمة التي أهانت ووجهت الاتهامات لرجال الدين تستهدف الآن أقطاب قم ذاتها».

حسنا، حسنا!

من الناحية النظرية على الأقل، فإن رفسنجاني، ذا المكانة المتوسطة بين الملالي، واحد من أقوى الرجال في الجمهورية الإسلامية. وهو رئيس مجلس الخبراء، المؤلف من 89 مقعدا، ويضم الملالي الذين يتعهدون بالإشراف على المرشد الأعلى، وعزله إذا لزم الأمر. كما يرأس أيضا ما يعرف باسم مجلس تشخيص مصلحة النظام والمنوط به تقرير الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وفي الوقت ذاته التحكيم في النزاعات بين السلطات التشريعية والتنفيذية في الحكومة.

لكن هذا ليس كل شيء..

فرفسنجاني رجل أعمال ناجح يرأس أكثر من اثنتي عشرة شركة في القطاعين العام والخاص. وشبكة اتصالاته وشركائه التي أقامها على مدى ثلاثة عقود من الوجود في قلب النظام الخميني قائمة في كل نواحي الحياة في البلاد.

على الرغم من كل ذلك فإن هناك إحساسا في طهران بأن رفسنجاني يعوقه نجاحه، إذ يعتقد بعض المحللين أنه لولا تردد المرشد الأعلى علي خامنئي في ترك الحليف السابق للانتقام لكان رفسنجاني الآن بعيدا عن منصبه، وربما في السجن على خلفية الاتهامات بالفساد.

ليس الأمر بالملغز في أن تكون عبارة رفسنجاني «الأفاعي النائمة» إشارة قوية إلى الرئيس محمود أحمدي نجاد والجيل الجديد من القيادات العسكرية التي توفر له قاعدة الدعم الأساسي.

لكن ما مدى صدق زعم رفسنجاني الغامض في أن أحمدي نجاد يرغب في الحد من سلطات الملالي؟

إحدى النظريات هي أن الجيل الجديد من التكنوقراط والقادة العسكريين وضباط الأمن شغوفون بالحصول على دور أكبر لأنفسهم على حساب الملالي الذين سيطروا على النظام الخميني منذ بداياته. هذا الجيل الجديد من القادة، في العقدين الخامس والسادس من أعمارهم، يدركون أن مسار الخمينية الأصلي لم يعد يلق رواجا في إيران ومن ثم ينبغي استبدال آيديولوجية أوسع نطاقا به، بحيث تلعب فيها القومية دورا أكبر كالإسلام. وللترويج لهذا المسار الجديد سيحتاج الجيل الجديد إلى التقليل من أهمية رجال الدين داخل النظام.

وقد حدث ذلك إلى حد ما، فخلال حكم أحمدي نجاد انخفض عدد الملالي في الحكومة أكثر منه في أي وقت مضى. واليوم فإن المسؤول البارز النموذجي في طهران يكون خريج جامعة ماساشوستس للتقنية أو ما يعادلها في إيران أكثر من كونه خريج مدارس قم الدينية أو جامعة مشهد، على الرغم من أنه لا توجد أدلة على أن أحمدي نجاد قد أطلق بالفعل سياسة تطهير منظمة للملالي كما قد يرغب كثيرون من الجيل الجديد من التكنوقراط وقادة الجيش والشرطة.

على الجانب الآخر، يمكن أن يكون رفسنجاني، لا أحمدي نجاد، هو المسؤول عن هذا الفعل تجاه رجال الدين الشيعة. فقد رأس رفسنجاني في عام 1979 اللجنة التي أمرت بإعدام آية الله محمود دانيشيان الذي كانت جريمته أنه كان عضوا في البرلمان في عهد الشاه.

وكان رفسنجاني هو من دبر لتجريد آية الله العظمى كاظم شريعتمداري من لقبه في المراحل الأولى من الثورة، لأنه كان الملا الوحيد القادر على تحدي سيادة الخميني.

وكان رفسنجاني نفسه هو رأس المحكمة التي أمرت بإعدام ملا شهير آخر هو الملا عبد الكريم حجازي، على خلفية الاتهام السخيف بالتدبير لقتل الخميني.

كما لعب دورا في فرض الإقامة الجبرية على عدد من الملالي البارزين، مثل آية الله العظمى حسن طباطبائي قمي، وآية الله العظمى صادق روحاني، ولعب دورا أساسيا في نفي الكثير من الملالي.

حتى الملالي المتشددون لم يكونوا ينجون من براثنه إذا ما اعتقد أنهم عقبة في طريق مخططاته الشخصية.. من بين أولئك الملالي محمد موسوي خوينيها، أحد زعماء من يطلق عليهم «الطلبة» الذين أخذوا الدبلوماسيين الأميركيين إلى طهران أسرى لمدة 444 يوما. في عام 1988 كان خوينيها في أوج شهرته، وبعد ذلك بعام واحد تلاشى ذكره تقريبا، فلم ينج من المبارزة القصيرة مع رفسنجاني على نهم الأخير للسلطة والثروة.

لكن ربما يكون أهم ضحايا حملة رفسنجاني ضد الملالي الذين عارضوه آية الله العظمى حسين علي منتظري.. ففي عام 1979 قام الخميني بتسمية منتظري كوريث وخليفة له، واصفا إياه بأنه «النور في عيني وثمرة حياتي»، وبعد ست سنوات تحول منتظري إلى «عدو للإسلام» ووضع قيد الإقامة الجبرية في منزله بقم. فقد كان رفسنجاني مهندس سقوط منتظري من مكانة التفضيل عندما انتزع منه أكثر من رطلة من اللحم، فهو الذي دبر لإعدام زوج ابنة منتظري، وأودع ابني آية الله في السجن.

حملة رفسنجاني ضد منتظري ومؤيديه أدت إلى غسل كومة من الغسيل القذر للملالي على العلن. فتروي مذكرات رفسنجاني تفصيليا عن الأعمال الخسيسة لعصابة مهدي هاشمي التي اختبأت تحت عباءة منتظري.

وفي المقابل، تقدم مذكرات منتظري صورة كئيبة لدور رفسنجاني في الإعدامات الجماعية للسجناء السياسيين واستخدام الجنود الأطفال لتلقيم المدافع إبان الحرب العراقية الإيرانية.

وقد أظهر كلا الرجلين أنه عندما يتدخل الملالي في السياسة، وأنه عندما يمتزج الدين بالسياسة، تتوالي النكبات.

وقد أكد رفسنجاني عام 1990 أثناء وجوده على رأس السلطة، أنه لا ينبغي لأحد أن يغلب المنفعة الشخصية على حساب المجتمع.

إذا كان الأمر هكذا إذن، ألا يمكن أن يكون محقا اليوم؟