إحصاءات سبقت الاستفتاء

TT

كل الاستفتاءات في العالم العربي معروفة النتائج سلفا. هكذا هو استفتاء جنوب السودان أيضا. لكنه يختلف عن كل ما سبق بكونه يذهب في الاتجاه الآخر: النسبة المئوية الفائضة تعبر عن رغبتها في الهرب، بعد مليوني قتيل، بعكس جميع القتلى والضحايا الذين يستعيرون يافطة موحدة من بعضهم البعض: بالروح، بالدم! وذلك من أجل البقاء تحت جناحي صاحب الروح والدم معا.

قسم لنا الاستعمار أوطانا وعيّننا مواطنين. نسي أن يضع على الجدران لائحة بأصول الحكم، للسادة الحكام. وما إن خرج حتى ظهرت على سطوح التراب والمياه، برعايته أو برعاية خصومه، أهواء الانقلابات وغرائز التحكم وشهوات التفرد والذاتيات الممتلئة بنفسها والطافحة بعبادة ذواتها. ولا شيء آخر. جميع الأنظمة جاءت من الثكنات ثم عينت لها ولنا برلمانات تصفق وتجدد وتمدد. مدى الحياة وما بعدها.

حولنا المواطن إلى هتّاف ومتظاهر ومصفق. لم نعثر له على عمل ولا على مدرسة ولا على صيدلية. ولا ديمومة إلا لصاحبها. الذي يجعل نفسه صاحب الأرض وصاحب الشعب وصاحب الأنفس. بعد مليوني قتيل من أصل ستة ملايين، يصر بعض أصحاب المواقف على أنه يجب استبقاء جنوب السودان بالقوة. ويتساءل المرء، كيف يفسر هؤلاء السادة مقتل مليوني شخص برصاص «الوحدة المركزية» عبر السنين؟ وبماذا يفسرون أن «الوحدة المركزية»، بنت، ما قدّر لها ولهم، في الشمال، ولم تتذكر أن تبني حائطا في الجنوب؟ وبماذا يفسرون أن رئيس الدولة قام بزيارة الجنوب فقط لكي يرى كيف كان، قبل أن يصبح في عالم آخر.

الخطورة في كل ذلك، كما نكتب منذ 1976 ثم بعد انفصالات البلقان، أن الانفصال عدوى. وتفكك الوحدة الوطنية سابقة يبنى عليها. وبعدما كانت تشيكوسلوفاكيا رمز الوحدات الناجحة، أصبحت تعطى نموذجا لـ«الانفصالات المخملية». لا قتال ولا دماء ولا أمم تلعق من دماء الآخرين، بل كل يذهب في طريقه ويعود إلى منزله بكل هدوء.

أعلنت «الحكومة المركزية» أنها سوف تعفي الجنوب من حصته في تسديد ديون البلد! يذكرنا ذلك بآخر إحصاءات الجنوب عام 2004: أعلى نسبة وفيات أطفال في العالم (112 في الألف). أعلى نسبة في وفيات الأمهات أثناء الولادة في العالم (2053 وفاة في كل 100 ألف). أسوأ عناية صحية في العالم: (طبيب جراح لكل 500 ألف إنسان. ثلاثة مستشفيات في كل الإقليم). 90% من السكان يعيشون بأقل من دولار في اليوم. حسن أن الجنوب أعفي من تسديد حصته من الديون. هذه فطنة حسابية مشهودة.