إلى أين يسير العالمان العربي والإسلامي؟!

TT

من أين نبدأ؟

أمن تفجير الكنيسة في الإسكندرية؟ أم من مظاهرات تونس والجزائر الدامية؟ أم من انفصال جنوب السودان عن شماله؟ أم من العمليات الإرهابية في اليمن؟ أم من اختطاف المواطنين الفرنسيين في النيجر وقتلهم؟ أم من شل المعارضة لعمل الحكومة اللبنانية؟ أم من اغتيال حاكم البنجاب على يد حارسه المتطرف؟ أم من النزاع بين فتح وحماس الذي يتوسع ويتعمق يوما بعد يوم؟

إن هذا المشهد المضطرب والدامي والمحبط للعالمين العربي والإسلامي، في بداية القرن الحادي والعشرين، بات واضح المعالم لأعين أبنائهما، ولأعين العالم بأسره. بل بات شاغل المجتمع الدولي ومصدر قلق حقيقي له يكاد يعادل القلق الذي عاشه العالم خلال سنوات الحرب الباردة.

ولكن أفدح من قتامة المشهد وخطورته هي الأسباب التي تكمن وراءه. الظاهر منها والأعمق جذورا. بل هو الخلاف حولها، وبالتالي صعوبة وربما استحالة معالجتها ووقف تفاعلها. على الرغم من أن هناك إجماعا على أنها دافعة بالعالمين الغربي والإسلامي إلى الدخول في حرب باردة تمهد لحرب عالمية ثالثة. أو على الأقل لنشوب فتن وقلاقل وحروب أهلية في معظم الدول العربية والإسلامية.

غير أنه لا بد من أن يكتشف ويتفق المسؤولون في العالمين العربي والإسلامي، وفي الغرب، ولا سيما عواصم الدول الكبرى، على أسباب هذه «الحالة غير الطبيعية» التي تنتاب الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، تمهيدا للتعاون من أجل معالجتها والحؤول دون تفاقمها وتهديدها للسلام العالمي.

أسهل الاستنتاجات – وأخطرها – هو القول إن كل ما يحدث هو نتيجة «مؤامرة صهيونية - صليبية - غربية» على الإسلام والمسلمين متمادية منذ ألف سنة. وأن العلاج هو في إعلان الجهاد على الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، وأيضا على الأنظمة الحاكمة، في الدول العربية والإسلامية. ذلك أن مثل هذا الاختصار المبتسر للتاريخ يفتح معركة ليس من السهل كسبها، نظرا للتفوق العسكري والتكنولوجي الغربي، ونظرا أيضا إلى رسوخ شرعية معظم الأنظمة العربية الحاكمة، بالإضافة إلى أن حاملي لواء الجهاد لا يشكلون سوى أقلية ضئيلة جدا بين المليار ونصف من المسلمين والثلاثمائة مليون عربي.

مقولة أخرى هي التي تحمل السياسة الغربية والأميركية خاصة، المنحازة إلى إسرائيل والمعتمدة على التدخل العسكري، مسؤولية غضب العرب والمسلمين، وترى أن تغيير هذه السياسة من شأنه أن ينزع من يد المتطرفين الإسلاميين، المقاومين منهم والمجاهدين، حجة هامة بل أساسية، من حجج معاداتهم للغرب وللأنظمة العربية.

مقولة ثالثة هي التي ترجع أسباب ما يحدث من غضب ونقمة وعنف وإرهاب، إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها الشعوب العربية والإسلامية، بوجه عام. فبعد أن نالت الدول العربية والإسلامية استقلالها – أي منذ نصف قرن ونيف - لم تتمكن إلا بعض هذه الدول - لظروف استثنائية خاصة بها – أن تحقق لشعوبها فرص العمل الكافية لاستيعاب عشرات الملايين من خريجي المعاهد والجامعات، وأن تنهض بمجتمعاتها اقتصاديا واجتماعيا. وأن تقيم أنظمة حكم ديمقراطية أو شبه ديمقراطية، في عصر الفضائيات والإنترنت والهواتف الجوالة. أي في عصر بات آخر إنسان في أطراف آسيا وأفريقيا يعرف كل ما يجري في الغرب والعالم، وما للإنسان فيه، من حقوق وحرية.

ثمة مقولة رابعة تقول إن هناك بعدا عقائديا لظاهرة التطرف الديني، يعود إلى تفسير أو اجتهاد محرف لبعض المبادئ، لا بين الأصوليين المسلمين فحسب، بل عند أصوليين مسيحيين ويهود، وهو ما يدفع ببعض المتشددين والمتطرفين إلى اعتماد العنف والإرهاب و«الاستشهاد». وأن معالجة هذه الظاهرة لا بد أن يقوم بها كبار علماء المسلمين والمجالس والمرجعيات الدينية في العالمين العربي والإسلامي، فيعيدوا للإسلام وجهه الإيماني الروحاني الإنساني الحضاري. كما لا بد لوسائل الإعلام أن تلعب دورها في عدم الترويج للعمليات الإرهابية وعدم تهشيم الأنظمة العربية وعدم تحريك عواطف الجماهير وتحريضها على الأنظمة الحاكمة.

في الواقع، إن هذه المقولات الأربع، مجتمعة، قد تشكل الجواب على التساؤل عن أسباب هذا الذي يحدث في العالمين العربي والإسلامي. ولكن ليس المهم أن تكتشف الأسباب، بل المهم هو ما يتبع الاكتشاف من خطوات عملية لمعالجة هذه الأسباب ولإخراج العرب والمسلمين من تفاقمها وإبعادهم عن المهالك التي تقودهم إليها.

ولن يتحقق ذلك على يد الأنظمة العربية الحاكمة وحدها، ولا بالحملات العسكرية والتدابير الأمنية وحدها. ولا بتصدي العلماء للفكر الديني الأصولي الجهادي الإرهابي فقط، ولا بالتوعية الإعلامية، وحدها، ولكن بتعاون دولي سياسي أمني إعلامي ثقافي اقتصادي، يوقف تدفق هذه الموجة من الاضطرابات والعنف والإرهاب، وبخطوتين دوليتين أساسيتين هما: حل النزاع العربي – الإسرائيلي، ووقف أو تقليص الإرهاب الدولي.