خطيئتان من الصعب أن تغتفرا

TT

أمران وخطيئتان في هذه الدنيا لا أظن أن هناك أردأ منهما، وهما:

1) الإشاعة. 2) الحكم الجزاف على الغير.

وسوف أورد لكم عنهما مثالين؛ الأول: خيالي، والثاني: واقعي.

فعن الإشاعات، يقال إن: هناك أحد الفلاحين قام بترويج شائعات سيئة عن صديق حصل خلاف معه، واكتشف في ما بعد أن الإشاعة كاذبة، ويبدو أنه بعد فترة رجع له ضميره وندم، وأتى لحكيم طالبا منه النصح.

فقال له الحكيم: من أجل أن تريح ضميرك عليك أن تملأ حقيبة بريش الدجاج، وتمر على كل بيت في القرية لتضع ريشة على عتبة الباب.

وفعل الفلاح كما قيل له، ورجع ليعلن إتمام عمله وتوبته، فقال الحكيم: ليس بعد، خذ حقيبتك واجمع كل ريشة من أمام كل منزل، فقال الفلاح: ولكن لا بد أن الرياح قد عصفت بها جميعا.

أجابه الحكيم: نعم، وهذا هو الحال مع الشائعات، فإن الكلام سريعا ما ينتشر، وأغلب الناس هوايتهم التقاط الشائعات، ومهما سعيت الآن جاهدا للتكفير عن ذنبك، فإنك لن تستطيع إعادة الكلام حيث كان مرة أخرى أبدا. وسبق (لتشرشل) أن قال: تعبر الإشاعة إلى نصف العالم، والحقيقة لم تكمل بعد لبس سروالها.

أما عن الأحكام المتسرعة والجائرة في حق الآخرين؛ فقد سمعت، وهذا أمر مؤكد، أن: هناك امرأة، لا أريد أن أذكر جنسيتها، وصلت من بلادها إلى مطار (هيثرو) في لندن، لتعبر منه (ترانزيت) إلى بلد آخر، وحينما كانت متعبة بعد رحلة طويلة، وجدت أن لديها مزيدا من الوقت قبل صعود الطائرة، فأخذت تتجول في الساحة الكبيرة، ومرت على المكتبة المفتوحة واشترت إحدى الجرائد، ثم مرت على (الكافيتيريا) واشترت كوبا من القهوة بالحليب مع كيس كبير من البطاطس المقلية..

وأخذت تسير مترنحة من ثقل الحقيبة التي على ظهرها، والحقيبة الأخرى التي في يدها، وما إن جلست على إحدى الطاولات الشاغرة حتى فتحت حقيبتها وأخرجت الجريدة واستغرقت في تصفحها وقراءتها، وبينما كانت مندمجة في ذلك، إذا بها تسمع خشخشة من خلف جريدتها، وعندما أزاحتها على جنب، إذا بها وجها لوجه مع مسافر أفريقي، واندهشت من رؤية ذلك الشاب الذي يدخل يده في كيس البطاطس العائد لها ويتناول منه عدة حلقات و«يدحشها» في فمه، فلم ترد أن تكسفه في البداية، فتغاضت عن ذلك، فمدت يدها هي في الكيس وتناولت منه شريحة، وزادت دهشتها أكثر عندما لاحظت أنها كلما أخذت من الكيس شريحة وكفت يدها، مد هو يده وتناول شريحة، وبدأت تضيق وتتنرفز من (تلامته)، وفي كل مرة كانت تسدد له نظرات الغضب والاحتقار، وكان هو يقابل نظراتها بمزيد من الابتسامات البريئة، إلى أن فاض بها الكيل وهبت واقفة وهي توجه له كلمات نابية أقلها أن ليس عنده ذوق، وتركته وتركت الكيس أمامه على الطاولة، وتقول: إنني تعجبت من نظرات الاستغراب التي رد بها على شتائمي له. وتمضي قائلة: إنني بعد فترة فتحت حقيبتي لكي أضع الجريدة فيها وإذا بي أكتشف أن كيس البطاطس الذي اشتريته ما زال فيها لم يفتح، وأنني طوال الوقت كنت آكل من الكيس المشابه له، والعائد لذلك الشاب (الجنتل مان) المظلوم. وشعرت بالخجل الكبير من نفسي، وانطلقت ركضا لمكانه لكي أعتذر له، ولكنني لم أجده، وعندما اتجهت ببصري نحو إحدى بوابات صعود الطائرات، إذا به يسلم (البورد كارد) الذي يخصه للموظفة، وغاب عن عيني دون أن أتمكن من الاعتذار له.

[email protected]