تونس.. سقط هبل!

TT

عندما قلنا بالأمس: إن عدم وجود أثر للإسلاميين فيما يحدث في تونس يعتبر أمرا محمودا، لم يكن الهدف الإثارة، أو الغمز واللمز.. فتأكيدا لكلامنا دعونا نتأمل من يريد اليوم الركوب على الموجة العالية في بحر تونس المتلاطم.

فالعنوان أعلاه، وإن بدا مستفزا، فهو ليس من بنات أفكاري، بل هو كلام الشيخ يوسف القرضاوي، الذي صدر عنه كلام لا يمكن وصفه إلا بأنه خطاب تشفٍّ، وتحريض صارخ، لا ينم عن وعي سياسي؛ حيث انطوى على كثير من التبسيط. يقول القرضاوي، عبر «الجزيرة» القطرية: «بعد أن سقط الصنم الأكبر هبل، يجب أن تسقط بقية الأصنام المحيطة به من اللات والعزى، وبقية الخدام الذين ينتمون للنظام الذي عاناه التونسيون». وبالطبع لسنا هنا للدفاع عن نظام بن علي، ولكن تفضلوا وانظروا ماذا يقول القرضاوي.. ففي خطبته ليوم الجمعة الماضي في الدوحة، وحسب ما نقل موقعه، فقد حيَّا «ثورة الشعب التونسي ضد الظلم»، ودعا الشعوب الإسلامية لأن «تهب ضد من يحكمونها بالحديد والنار»، مضيفا أن «الشعوب لا بد أن تنتفض وتطالب بحقها». إلى أن قال: «إنني أشكو إلى الله من الحكام المسلمين، إلا من رحم ربك»!

فلو أن القرضاوي قد قال: إن للشعوب الحق بالحرية، والحفاظ على حقوق الإنسان، وإن من حق الشعوب ألا تُرهَب باسم الله، الذي من صفاته أنه رحمن رحيم، لقلنا: معقولة.. ولو أن القرضاوي سبق أن أصدر هذا البيان نفسه، أو أدلى بهذا الطرح نفسه ضد نظام صدام حسين لقلنا: رجل منصف.. حتى ولو كان سقوط صدام على يد الأميركيين، أوَليس ينصر الله هذا الدين ولو برجل فاجر، أم أنه يجوز لصدام حسين ما فعله بشعبه ما دام من يسقطه هم الأميركيون، ويجوز له أن يحكم ثلاثة عقود بالحديد والنار ما دام من ضمن المتضررين شيعة وأكراد، علما بأن ظلم صدام قد مس الجميع، ومن دون استثناء؟!

والسؤال هنا هو: أي نموذج ذاك الذي يريده القرضاوي للتونسيين؟ هل نظام الحكم الإسلامي في السودان، الذي خلف لنا دولة عربية منقسمة، أو منفصلة، أم يريده حكما على غرار إمارة حماس في غزة، التي جثمت على صدور الغزاويين مثلها مثل قوى الاحتلال؟ هل يريد القرضاوي دولة يكون منهجها قائما على أن الحرام هو الأصل، والإباحة هي الاستثناء؟ أمر عجيب ولا يستقيم.

إذا أردنا خيرا بالتونسيين فلندعهم وشأنهم، ففيهم العقلاء، والواعون، والمتعلمون، وهم أدرى بشؤون بلادهم، وليسوا بحاجة لنصائح القرضاوي وتحريضه، وهم أدرى بحقيقة ما يدور في بلادهم. وما دمنا نتحدث عن التحريض فليت الشيخ القرضاوي يعذر جهلنا، وينورنا، فعندما قال إنه يشكو «إلى الله من الحكام المسلمين، إلا من رحم ربك» فمن كان يقصد من الحكام عندما قال إلا من رحم ربك؟ ليته يسميهم لنا، إنصافا لهم، ولنجدد لهم البيعة، وحتى لا يخرج الناس ضدهم في الشوارع، كما يطالب القرضاوي، ولنعرف أي منهج يريده لنا فضيلته!

[email protected]