استقالة مؤسفة

TT

قبل أسبوع من استقالته ضمن وزراء «8 آذار»، كان الدكتور عدنان السيد حسين ضيفا على الزميلة دوللي غانم في «نهاركم سعيد». أصغيت إلى الرجل حتى نهاية اللقاء، وأنا لا أعرف من هو. كان يتحدث عن الانتماء إلى الدولة المدنية، بدل الغرق في المعارضة والموالاة. وعن دولة القانون باعتبارها الحل الوحيد لبلد مثل لبنان. وعن الوحدة الوطنية ضمن وحدة الفرص والواجب والإنصاف.

أصغيت إلى الرجل، ليس فقط بإعجاب، بل أيضا بحرارة. شعرت أنه يتحدث عني، وعن مئات الآلاف من الناس العاديين. وانتظرت حتى نهاية البرنامج، لكي أعرف من هو. وعندما عرفت اتصلت به، وأعربت له عن تقدير حقيقي، ليس فقط لمواقفه، بل لعلمه. وخطر لي ذلك النهار أن أكتب مقالا أقول فيه إن ما يحتاجه العالم العربي، الذي تضربه المظاهرات في تونس والجزائر والأردن، هو علماء اجتماع ورجال فكر، يعرفون عمق مشكلاتنا أفقيا، ويستطيعون الارتفاع بالحلول عموديا.

فوجئت باستقالة الدكتور عدنان السيد حسين ضمن وزراء «8 آذار». وكنت سوف أشعر بالمفاجأة نفسها، لو أعلن انضمامه إلى «14 آذار». لأن المفزع أنه لم يعد في لبنان فريق ثالث. ذلك الفريق الذي كان يدعو إليه وزير الدولة قبل أسبوع، الفريق الذي تحركه استقلاليته وإيمانه بالمستقبل المشترك، وبقيام الدولة السوية، حتى من كل هذا الخراب.

لم أكن أعي أن الانقسام في لبنان أصبح عميقا وخطيرا إلى درجة لم يعد معها مسموحا للوزير حسين بالبقاء في الحكومة كما دخلها، أي على خانة رئيس الجمهورية. لقد ساهم رجل شديد الاتزان في إلغاء التوازن الهش والمعطوب. وهو توازن كان سيسقط في أي حال، لأن المسألة أبعد من بقاء أو استقالة وزير، لكنني في أي حال كنت أتمنى ألا يحدث ذلك بسببه. وأن يكون هو وأمثاله نواة لمجتمع متلاق ومتوازن، وبعيد عن إرث وآثار العقود الماضية.

رغم ذلك كله، أريد أن أكتب ذلك المقال! أن أقول إن العالم العربي في حاجة إلى علماء اجتماع، يدرسون ويخططون، ويوفرون علينا مشاهد قتلى الخبز والسكر في الشوارع. الشعوب ليست في حاجة إلى قوانين تفرضها الشرطة بل إلى حلول يحميها القانون.