للتحيات حكايات

TT

السلام والتحية ركن أساسي من لغتنا ومن حياتنا الاجتماعية والسياسية، ولكن لها مدلولاتها، مما جعل صيغتها تتفاوت بين الأمم حسب نوازع الأمم وظروفها، بل وتتفاوت بين فرد وآخر كما نلاحظ غالبا. يربط الغربيون تحياتهم بالجو والوقت، فيقولون: صباح الخير، ومساء الخير، ونهارك سعيد، وليلة سعيدة.. وهكذا. ربما كان ذلك بسبب تقلب الجو في أوروبا. فالحديث عن الجو هو رائد الإنجليز والوسيلة المثلى عندهم لمغازلة امرأة. وكلها تحيات وثنية في الواقع. وفي تقليدنا الأعمى للغرب، أخذنا ذلك منهم. فتحيتنا التقليدية هي «السلام عليكم». والسلام هي التحية التي آمن بها واتبعها أبناء الأديان السماوية. نحن نقول سلام واليهود يقولون شالوم. شاعت بيننا بعد ظهور الإسلام، وإلا ففي الجاهلية كانوا يحيون بعضهم البعض بتحية وثنية على منحى الغربيين.

يروي ابن هشام فيقول إنه عندما ذهب عمير بن وهب لمقابلة النبي صلى الله عليه وسلم حياه بقوله، «أنعم صباحا» فاعترض عليه النبي وقال: «قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير. بالسلام، تحية أهل الجنة».

وكان الرسول الكريم يشير بذلك إلى ما ورد في سورة الواقعة عن وصف الجنة: «لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا». وقد تردت هذه الكلمة في القرآن الكريم نحو 42 مرة. وهكذا أصبحت جزءا من كلامنا، فمن المعروف عن محمد مهدي الجواهري كثرة ترديده للسلام، سلم حتى على الضفادع، سلام على جاعلات النقيق... لم يترك الجواهري شبرا من أرض العراق دون أن يسلم عليه في شعره.

أضفنا إليها من باب التخصيص كلمة «عليكم». فسلامنا مقتصر على من نخاطبه «السلام عليك». و«السلام عليكم». ومن الواضح أن المدلول هو أننا جئنا إليك بالسلام. ولهذا لا نستعمل الكلمة عندما نضمر له شرا وقتالا. لا أستطيع أن أتصور شخصا يضرب آخر وهو يقول له «السلام عليك».

ولهذا أيضا فليس من المعتاد عندنا أن تستعمل المرأة هذه الصيغة من التحية، فالقتال ليس من شأنها. لاحظت أن المرأة الريفية في العراق تحيي الرجل بكلمة «بالقوة». و«الله يقويك». وهي كلمة ربما يجد فيها أتباع فرويد مدلولا أعمق.

ولكن للعراقيين صيغة أخرى للتحية يتفردون بها بين كل العرب. ولا شك أنها ترتبط بنوازع العنف الذي يميز حياتهم. فعندما تدخل مجلسا تسلم على الحاضرين بكلمة «السلام عليكم». فيردون عليك بمثلها، «وعليكم السلام». ولكن حالما تجلس تسمع كل واحد منهم، فردا فردا، يقول لك: «الله بالخير». وعليك أن ترد على كل واحد منهم، واحدا بعد واحد وتكرر الكلمة، «الله بالخير». إذا سكت أحدهم ولم يلق عليك تلك الكلمة فهو إنذار بالشر أو الاحتقار أو القتال. وينطبق ذلك عليك أيضا. إذا لم ترد على واحد منهم وتنظر في وجهه وتبتسم وتقول «الله بالخير» فهو كذلك إنذار له بالشر أو الزعل أو القتال.