التضحية بالائتمان المصغر من أجل تحقيق أرباح كبرى

TT

دكا - بنغلاديش - خلال السبعينات من القرن الماضي عندما بدأتُ العمل هنا فيما سمي في النهاية بـ«الائتمان المصغر»، كان من أهدافي القضاء على حيتان القروض الذين ازدادوا ثراء من خلال افتراس الفقراء. وفي عام 1983 أسستُ بنك «غرامين» من أجل تقديم قروض صغيرة يمكن أن يستخدمها المواطنون، لا سيما النساء الفقيرات، للخروج بأنفسهم من دائرة الفقر. وفي ذلك الوقت، لم أتخيل أنه سيأتي يوم يعطي فيه التمويل المصغر دفعة لفصيلة خاصة من حيتان القروض.

ولكن حدث ذلك. ونتيجة لهذا تعثر الكثير من المقترضين داخل الهند في سداد قروضهم المصغرة، الأمر الذي قد يفضي إلى خروج مقرضين من القطاع. وتشير الأزمة الهندية إلى حاجة واضحة للعودة بالقروض المصغرة إلى مسارها المناسب.

لقد بدأت المشكلات الخاصة بالائتمان المصغر في 2005 تقريبا، عندما بدأ الكثير من المقرضين البحث عن وسائل من أجل تحقيق أرباح على القروض بالتحول من صفتهم كمؤسسات غير ربحية إلى كيانات تجارية. وفي 2007، أصبح بنك «كومبارتاموس» المكسيكي أول مصرف ائتمان مصغر داخل أميركا اللاتينية يطرح للاكتتاب العام. وخلال شهر أغسطس (آب) الماضي حصل مصرف «إس كيه إس للتمويل المصغر»، وهو أكبر مصرف من نوعه داخل الهند، على 358 مليون دولار من خلال اكتتاب عام.

ومن أجل ضمان أن القروض المصغرة ستدر أرباحا لحملة الأسهم، تحتاج هذه المصارف إلى تحصيل معدلات فائدة والدخول في عمليات تسويق قوية وتحصيل القروض. واختفى هذا النوع من التعاطف الذي كان يظهر إزاء المقترضين عندما كانت الكيانات المقرضة لا تهدف تحقيق أرباح. ولحق ضرر بالأفراد الذين كان يفترض أن يساعدهم الائتمان المصغر. وداخل الهند أصبح المقترضون يعتقدون أن الكيانات المقرضة تستغلهم، وتوقفوا عن سداد القروض.

وأصبح السعي من أجل تحقيق أرباح يمثل تحولا مرعبا بالنسبة للتمويل المصغر، ويظهر «انحرافا في المهمة» يبعث القلق في إطار عملية تحفيز من يقدمون القروض إلى الفقراء. ولكن، يجب القضاء على الفقر، وعدم التعامل مع ذلك على أنها فرصة لتحقيق أرباح. وتوجد مشكلات عملية جادة في التعامل مع الائتمان المصغر كنشاط عادي يمكن من خلاله تعظيم الأرباح. وبدلا من توفير الأموال المخصصة للإقراض من خلال مؤسسات التمويل الأصغر، كما فعلت بنغلاديش، تقوم هذه المؤسسات التجارية بتجميع مبالغ أكبر داخل أسواق مالية دولية متقلبة وبعد ذلك تنقل المخاطر المالية إلى الفقراء.

ويتجاوز الأمر ذلك، إذ إنه يعني أن مؤسسات الائتمان المصغر التجارية عرضة لفكرة زيادة الأرباح بشكل مطرد ودائم، وهو ما قد يأتي في شكل معدلات فائدة أعلى تفرض على الفقراء، وسيؤثر ذلك على الغرض من القروض.

ويقول بعض أنصار التحول إلى الربحية إنها الوسيلة الوحيدة من أجل جذب المال اللازم لتوسيع توافر الائتمان الأصغر و«تحرير» النظام من الاعتماد على مؤسسات أخرى أو الاعتماد على المتبرعين الخيريين. ولكن من الممكن أن يسرع ذلك من وتيرة الاستثمار داخل الائتمان المصغر - وتحقيق أرباح - من دون العمل من خلال مؤسسات خيرية وأسواق مالية عالمية.

ويوجد لبنك «غرامين»، الذي أعمل فيه مديرا للإدارة، 2500 فرع داخل بنغلاديش. ويقوم بإقراض أكثر من 100 مليون دولار في الشهر، وتشمل العمليات قروضا أقل من 10 دولارات للمتسولين في إطار برنامج «الأفراد المكافحين» وصولا إلى قروض للأنشطة التجارية المصغرة التي تبلغ نحو 1000 دولار. ومعظم الأفرع مستقلة ماليا، وتعتمد فقط على الودائع من البنغلادشيين العاديين. وعندما ينضم المقترضون إلى المصرف، يقومون بفتح أرصدة ادخار. ويوجد لدى جميع المقترضين أرصدة ادخار داخل المصرف، والكثير منها يكون بها رصيد أكبر من قروضهم. وفي كل عام تعود أرباح المصرف إلى المقترضين - 97 في المائة منهم من النساء الفقيرات - في شكل أرباح.

ويجب على المزيد من مؤسسات الائتمان المصغر تبني هذا النموذج، إذ يحتاج المجتمع إلى إعادة التأكيد على التعريف الأصلي للائتمان المصغر، وترك فكرة الاتجار والعودة إلى خدمة الفقراء.

ويمكن أن يساعد على ذلك إيجاد قواعد حكومية أكثر حزما. ويجب ألا يتجاوز أكبر قدر لمعدلات الفائدة تكلفة المال - وأعني التكلفة التي تكبدها المصرف من أجل تدبير الأموال للإقراض - إلى جانب 15 في المائة من المبلغ. وهذه النسبة التي تبلغ 15 في المائة ستذهب من أجل تغطية التكاليف العملياتية وتسهم في تحقيق الربح. وفي حالة بنك «غرامين» تبلغ تكلفة المبلغ 10 في المائة. ولذا؛ فإن أكبر معدلات فائدة قد يصل إلى 25 في المائة. ولكننا نحمل المقترضين 20 في المائة. ويجب أن يكون المدى المثالي بين تكلفة المال ومعدل الاقتراض قريبا من نسبة 10 في المائة.

ومن أجل فرض هذا الحد، تحتاج كل دولة تقدم داخلها قروض مصغرة إلى هيئة تنظيم للائتمان المصغر. وقد أنشأت بنغلاديش، التي يوجد بها أكبر عدد عالميا من مقترضي الائتمان المصغر بالنسبة لكل ميل مربع، هذه الهيئة قبل أعوام عدة، وهي مسؤولة عن ضمان الشفافية في الاقتراض ومنع معدلات فائدة مرتفعة. وفي المستقبل ربما تتولى هي الموافقة على مصارف التمويل المصغر. وتحتاج الهند، بفضل قطاع التمويل المصغر الناشئ، إلى إنشاء هيئة مماثلة.

ودائما ما يوجد أفراد لديهم حماس من أجل الاستفادة من المعرضين للمخاطر. ولكن لا يجب وصف برامج الائتمان التي تسعى إلى تحقيق أرباح مع معاناة الفقراء بأنها «ائتمان مصغر»، والأفراد الذين يمتلكون مثل هذه البرامج يجب عدم السماح لهم بالاستفادة من الثقة والاحترام التي اكتسبتها مصارف الائتمان المصغر.

وتتحمل الحكومات مسؤولية منع مثل هذا السلوك الخاطئ. وفي عام 1997، قامت السيدة الأميركية الأولى حينها، هيلاري كلينتون، ورئيسة الوزراء البنغالية، الشيخة حسنية، بالاجتماع مع زعماء دول أخرى من أجل الوصول إلى التزام بتقديم قروض مصغرة إلى 100 مليون شخص فقير، إلى جانب خدمات مالية أخرى، بحلول 2005. وبدت حينها مهمة مستحيلة، ولكن حققنا ذلك بحلول 2006. ويجب على زعماء العالم الاجتماع معا مرة أخرى من أجل توفير قيادة قوية للدفع بالائتمان المصغر من جديد إلى مساره الصحيح.

* مؤسس مصرف «غرامين»،

والحائز جائزة نوبل للسلام في 2006.

** خدمة «نيويورك تايمز»