توقف عملية الإصلاح الاقتصادي السعودي أمر مستبعد

TT

على خلفية النقاش الأخير الذي شهدته المملكة العربية السعودية حول خلف عاهلها، تحدث بعض المحللين عن إمكانية توقف عملية الإصلاح الاقتصادي السعودي. لكن الواقع يشير إلى أن مثل هذا الخيار أمر مستبعد تماما بالنسبة لصناع السياسة أو الحكام السعوديين، خلال السنوات الكثيرة المقبلة.

وبما أن سكان المملكة يتزايدون سنويا بأكثر من 2.3 في المائة بقليل، ولأن أعمار نحو 37 في المائة منهم تقل عن أربعة عشر عاما، كما أن أعمار 66 في المائة منهم تقل عن تسعة وعشرين عاما، فإن التحدي الرئيسي الذي تواجهه المملكة يتمثل في تمكين سوق العمل المحلية من توفير المزيد من الوظائف الجديدة للمواطنين.

وفي الحقيقة، يوفر الاقتصاد السعودي فرص عمل جديدة، لكن في عام 2009، مثلا، حصل السعوديون على ثماني فرص عمل فقط من كل مائة فرصة عمل جديدة، بينما ذهبت البقية إلى العمالة الوافدة. وفي المملكة، كما في سائر دول الخليج، لا بد من إصلاح سوق العمل لتفادي شرك الاعتماد الكبير على العمالة الوافدة الرخيصة. وبوجه خاص، يتعين على القطاع الخاص السعودي أن يبذل الجهود اللازمة لكي يتخلى عن هوامش الربح التي يحققها من خلال الاعتماد المكثف، على العمالة الوافدة الرخيصة.

ولا بد أيضا من تسهيل دخول المرأة إلى سوق العمل. فمع أن نسبة النساء السعوديات إلى إجمالي القوة العاملة ارتفعت إلى ثلاثة أمثالها منذ أوائل التسعينات، فإن الأسر السعودية باتت عاجزة عن تحقيق العيش الكريم بواسطة دخل واحد، الأمر الذي يدفع النساء حاليا إلى البحث الدؤوب عن وظائف. وفي الحقيقة، تدرك السلطات السعودية تحديات العمل القائمة، وتعترف بأن التعليم هو أحد الحلول الناجعة.

لقد ازداد الإنفاق العام السعودي بنسبة 14 في المائة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2010. ولا يسع المملكة إلا أن تنفق أكثر من ربع ميزانيتها العامة على التعليم، لأنها تسعى جاهدة لتحويل القاعدة المحدودة لرصيدها البشري.

من السهل الاستخفاف جزافا بقدرة العائلة المالكة ومؤسسات الدولة السعودية على حفظ الاستقرار. وبعيدا عن جاذبية التنبؤ بالمناصب التي قد يشغلها هذا الفرد أو ذاك من أفراد العائلة المالكة، أو جاذبية التوقعات بشأن الوزراء الذين قد يعفون من مناصبهم، يمكن القول إن المملكة لديها مؤسسات سياسية واقتصادية مستقرة. إذ تمتاز وزارتا البترول والمالية ومؤسسة النقد العربي السعودي وشركة «أرامكو السعودية» - وهي شركة نفطية مملوكة للدولة - بطواقم تكنوقراطية كفوءة ومدركة تماما للتحديات القائمة.

ولقهر هذه التحديات، لا بد من الاستمرار في ممارسة الانضباط المالي. ونعتقد أيضا أن البنوك السعودية ستستوفي جميع مستحقاتها، كما نتوقع أن يستمر انخفاض نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي إلى ما دون العشرة في المائة خلال عام 2011، بعدما تجاوزت المائة في المائة خلال عام 1999.

وفي الشهر الماضي، توقعت وزارة المالية السعودية أن يكون معدل نمو إجمالي الناتج المحلي قد بلغ 3.8 في المائة في العام الماضي. وقد تخفض مستوى تقديراتها لمعدل التضخم العام خلال العام الماضي إلى 5.35 في المائة.

وتشير تقديراتنا إلى أن الضغوط التضخمية ستنحسر في المملكة خلال العام الحالي. وتستند هذه التقديرات، في المقام الأول، إلى توقعات الدولار الأميركي والريال السعودي المربوط به. ولئن توقع بعض المراقبين أن يؤدي البرنامج الأميركي الثاني لتعزيز المعروض النقدي إلى إضعاف الدولار والريال السعودي، وبالتالي، توليد قفزات جديدة في أسعار السلع؛ فإننا نعتقد أن مشكلات الديون السيادية لمنطقة اليورو والتحسن النسبي لأداء الاقتصاد الأميركي سيؤديان إلى تعزيز قوة الدولار.

ولا يختلف عالم العملات كثيرا عن عالم السياسة. ذلك لأن ميزان القوى العالمية قد يتغير، لكن أي حاكم سعودي يعلم علم اليقين من هي القوة العظمى الحقيقية. وعلى الرغم من الحديث عن التحول شرقا، فإن المملكة حافظت على علاقاتها الاستراتيجية الرئيسية مع الولايات المتحدة. وخير دليل على هذا الواقع الجيو - سياسي هو حقيقة أن معظم أسلحة المملكة أميركية الصنع. وفي ظل الكثير من الأخطار الخارجية المختلفة التي قد تهدد أمن المملكة، لا سيما الأخطار القادمة من اليمن والعراق وإيران، لا يسع المملكة أن تسهر على أمنها. داخليا، ستواصل السلطات السعودية مكافحة الإرهاب من خلال سياسة العصا والجزرة (carrot and a stick to combat terrorism).

هذا، ويعني الاستقرار الداخلي أن المملكة لن تفقد موقعها كأهم مصدر للطاقة في العالم. لكن ينبغي على المملكة أن توسع استخدامها للتقنيات الصديقة للبيئة ولصناعة الطاقة النظيفة. ففي ظل المعدلات الحالية لنمو الاستهلاك المحلي للطاقة، يبدو أن دور المملكة كمنتج موازن لسوق النفط العالمية قد يتعرض للخطر في مرحلة لاحقة.

لكن السلطات السعودية تفكر حاليا في مرحلة ما بعد النفط، وفي تقليص اعتماد الاقتصاد المحلي على الهيدروكربونات، كما تفكر في تعديل الدعم الحكومي لصالح تعزيز الكفاءة في استخدام الطاقة. لذا، لا يستطيع أي عاهل سعودي إيقاف عملية تحديث الاقتصاد أو حتى إبطاء وتيرتها. وعليه، فإن الإصلاح والتغيير في المملكة عملية راسخة ومضمونة.

* مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين - البنك السعودي الفرنسي

* خاص بـ«الشرق الأوسط»