عدوى تونس.. من التالي؟

TT

نعم السؤال الذي يبدو أن كثيرين يتسابقون عليه بعد فورة الغضب الشعبية في تونس، التي أجبرت الرئيس بن علي على الرحيل بعد 23 عاما في السلطة، هو هل تنتقل العدوى إلى بلدان أخرى في المنطقة تعاني من نفس المشكلات الاجتماعية التي أدت بالشاب بوعزيزي لإحراق نفسه، مطلقا شرارة الاحتجاجات التي أخذت تكبر يوميا مثل كرة الثلج؟

عوامل الاضطراب الاجتماعي موجودة في أكثر من بلد عربي، وليس في تونس وحدها، وغذتها الأزمة الاقتصادية العالمية التي حذر اقتصاديون وخبراء، منذ اندلاعها قبل عامين، من أن توابعها ستشمل قلاقل واضطرابات في دول نامية ستتأثر، بالانكماش الحاصل في التمويل والتجارة الدوليين، لكن التاريخ يشير إلى أن تجارب الدول تختلف باختلاف ظروفها، فالثورة الإيرانية التي تحولت إلى نظام يواجه معارضة قوية حاليا غير الثورة البرتقالية في أوكرانيا، وغير ما حدث في بولندا عندما جرى التحول عن الشيوعية.

تونس جاءت مفاجأة للجميع في المنطقة العربية والغرب وللنظام نفسه هناك، فقبل شهرين أو ثلاثة لم يكن أحد ليحلم بالسيناريو الذي نشهده حاليا، ونرى كثيرين يحاولون ركوب موجته حاليا، فقد كانت تونس تبدو لسنوات كواحة مستقرة في منطقة مليئة بالاضطرابات، مزدهرة سياحيا، ونصيب الفرد هناك من الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 8 آلاف دولار سنويا، وهو معدل مرتفع، مقارنة بالكثير من دول المنطقة أو الدول النامية، ونجحت حتى عام 2008 في تحقيق معدلات نمو سنوية تتجاوز إلى 5 في المائة، مع اقتصاد متنوع يشمل السياحة والصناعة والتصدير.

وبدءا من 2009، هبط النمو إلى أقل من 1 في المائة، وتراجعت الصادرات بنسبة تصل إلى الربع تقريبا مع الأزمة الاقتصادية العالمية وانكماش الأسواق الأوروبية التي تعد السوق الرئيسية لصادرات تونس، وبرزت إلى السطح المشكلات التي كانت تخفيها سنوات النمو، وهي نسب البطالة المرتفعة التي قدرت بنحو 15 في المائة، نسبة 30 في المائة منهم خريجون جامعيون، طموحاتهم وتوقعاتهم أكبر، وصوتهم أعلى، وكانوا وقود ثورة الشارع، ومنهم الشاب بوعزيزي الذي أحرق نفسه ونقل عدوى الحرق، كما يبدو، إلى بلدان عربية أخرى.

ووجود شباب بلا أمل نتيجة البطالة والشعور بعدم العدالة نتيجة الفساد أو عدم الإحساس بأن الجميع يستفيد من ثمار التنمية هو وصفة مثالية للغضب الشعبي القابل للانفجار، خاصة إذا لم تكن هناك وسائل تنفيس تسمح بالتعبير عن الرأي أو الانتقاد، فما بالنا بالتغيير السلمي؟

وهكذا كانت النتيجة غضبة شعبية أخذت شكلا لا يزال كثيرون محتارين في توصيفه، لكن المؤكد أنه كان فيها الكثير العفوية، فلم تستطع أي قوة سياسية أن تقول إنها كانت وراءها أو خططتها، والمطالب بسيطة، وكانت تعكس نفاد صبر من رأس النظام، خاصة بعد التعامل الأمني الذي أصيب بعمى عن رؤية حقيقة هذا الغضب الشعبي، وتعامل بعنف قمعي.

وكما يبدو فإن تونس لا تزال في بداية طريق، يصعب التنبؤ بدقة، إلى أين ستقود، انفتاح وتعددية واستيعاب للناس، أم ستقفز قوى لتملأ الفراغ وتوجه الدفة تجاه مصلحتها، كما حدث في تجارب أخرى.. مع آمال الجميع أن تعبر إلى بر الأمان ويتمكن السياسيون هناك من إرساء نظام يلبي تطلعات الناس.

وعودة إلى السؤال: هل تنتقل العدوى؟ يبدو أن هناك تسرعا أو قدرا من السطحية في فهم لماذا يخرج الناس العاديون إلى الشارع للاحتجاج، فهم لا يخرجون لمجرد التقليد، وظروف المجتمعات وأنظمتها تتباين، لكن الدرس الأهم من تونس على المدى الطويل هو أن البطالة والتنمية هما التحدي الأول أمام المنطقة، الذي ينخر في الكثير من الدول، بينما حرية التعبير هي الوسيلة لتنفيس الاحتقان.