لبنان.. بين «المجاملة» و«التكاذب»

TT

في عملية ابتزاز وضغط واضحين، قام حزب الله، أمس، باستعراض قدراته في شوارع بيروت، وما لبث أن عاد وانسحب، وبادر الحزب بالقول إنه لا ينوي اللجوء للشارع.. فالواضح أن الحزب أراد إيصال رسالة للحريري ورفاقه، مفادها أن الحزب جاهز، وقادر على احتلال بيروت.

تصرُّف حزب الله جاء بعد قمة دمشق الثلاثية، سورية وتركيا وقطر، التي طالبت بتفعيل المسعى السعودي - السوري، وفي اليوم نفسه الذي وصل فيه إلى بيروت كل من وزيري خارجية تركيا وقطر، وفي الوقت الذي كان يجتمع فيه الرئيس السوري مع قائد الجيش اللبناني بدمشق أيضا. وتصرُّف الحزب يعتبر رسالة لزوار بيروت، وللسعوديين بالطبع، مفادها: اضغطوا على الحريري ليقبل بمطالبنا وإلا...! لذا فقد يكون من المناسب هنا أن أشرك القراء بما سمعته من رؤية مهمة لأحد المسؤولين المقربين من الملف اللبناني؛ حيث يقول: إن هناك حقيقتين لا بد من التصريح بهما تجاه ما يشهده لبنان والمنطقة من أحاديث تخفي أكثر مما تظهر، وتنطوي على «المجاملة والتكاذب المتبادل».

الحقيقة الأولى، بحسب المسؤول، هي أن المحكمة «السبيل الوحيد والفعال لمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة، وأن التهجم عليها ومحاولة تعطيلها لا يهدفان إلا إلى حماية القتلة ومن يقف وراءهم تخطيطا وتجهيزا». ويعتقد المسؤول أنه قد «افتضح أمرهم من خلال محاولاتهم إسقاط المحكمة حتى قبل أن تفضحهم المحكمة ذاتها، ولو كانوا على درجة متواضعة من الذكاء لكانوا قد وجدوا في المحكمة ما ينقذهم؛ لأن المحكمة لن تتهم سوى الأفراد، في حين أن الكل يعلم أن الجرائم التي اغتالت القيادات اللبنانية كانت على درجة من التنظيم والإعداد بما يتجاوز القدرات الفردية».

ثم يضيف أن الحقيقة الثانية هي أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، من جهة، والميليشيات الطائفية، من جهة ثانية «ما هما سوى وجهين لعملة شيطانية واحدة، على الرغم من ادعائهما الانتساب، زورا، لله والدين، وهدفهما الحقيقي تمزيق دول المنطقة وتحويلها إلى ميادين للفتن والحروب الأهلية والصراعات بين المسلمين والمسيحيين، وبين السنة والشيعة، وذلك خدمةً لمن يريد تحويل المنطقة لرقعة شطرنج يتلاعب بها، وأوراق مقامرة يساوم عليها»، مضيفا أن ذلك كله هو «لخدمة طرفين لا ثالث لهما، هما: إسرائيل وإيران. ومن هنا نفهم كيف يريد البعض تهجير المسيحيين، أو إسقاط الاعتدال السني، في حين أنهم يعلمون أن البديل عنه هو (القاعدة)». ويقول المسؤول متسائلا: «فما رأيكم بمستقبل لبنان إذا حكمته (القاعدة) وميليشيا الطائفة؟».

وعليه، وعطفا على ما سبق، هل يرضخ الجميع لابتزاز حزب الله، أم تندفع الأمور إلى حافة الهاوية؟ المؤكد أن الرضوخ لمطالب الحزب سيرسِّخ أزمة لبنان والمنطقة، سواء طائفيا أو غيره، كما أن الإصرار على المحكمة سيزيد من جنون الحزب، ويفجر الأوضاع.. فما الحل إذن؟

الواضح أنه قد آن الأوان ليمر لبنان بعملية المخاض المتوقَّعة منذ عقود؛ فالبلد بُني على خطأ، وكل محاولة لترميمه ستزيده سوءا. وبالتالي، فقد حان الوقت لإصلاح لبنان عبر الطريق الصعب، والمحكمة أفضل تلك الطرق.

[email protected]