ابن علي فوبيا!

TT

مفهوم رئاسة الجمهورية المحددة بفترة زمنية لم يصبح حتى اللحظة جزءا من الثقافة السياسية العربية الممارسة، فكرسي الرئاسة بمغرياته، ونفوذه، وتأثير المحيطين به يجعل جل الرؤساء العرب يلعقون ما يتعهدون به في بداية حكمهم، فيعدلون في دساتير بلادهم بما يمكنهم من البقاء طوال حياتهم، ولم يقتصر الأمر على هذا الحد رغم خطورته، حيث امتد لدى البعض إلى فكرة توريث أبنائهم، أي أننا أمام نسخة معربة لم تأخذ من مفهوم الجمهورية سوى الاسم، وهذا لا يمنع من القول إن أداء بعض الرؤساء العرب كان موفقا، ولكن ذلك لا يكفي لتبرير الاستمرارية، ولي عنق المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه النظام الجمهوري.

هذا الخلل هو المسؤول عن الصدامات التي تنشأ بين سلطة الرئاسة والشعوب، فلو أن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي - كمثال - لم يغرق في ثمالة الرئاسة، وترك كرسي الحكم بعد عشر سنوات فلربما تحول إلى رمز خالد من رموز بلاده، بل والعالم العربي، إذ ربما نعت بمنقذ البلاد من التطرف، ومؤسس النهضة الاقتصادية، ولكنها شهوة الحكم التي تعمي الأبصار أحيانا.

ما حدث في تونس لا يستبعد تكراره في دول أخرى من العالم العربي، خاصة أن البيئات الاقتصادية والسياسية مهيأة لظهور سلسلة من المحتجين على الأوضاع بالانتحار كما فعل البوعزيزي في سيدي بوزيد بتونس، وأعرف أن الكثير من الدول ستهرول هذه الأيام في تقديم إصلاحات في مجالات الاقتصاد والحريات وتوسيع قاعدة التنمية تحت وقع ما يمكن تسميته «ابن علي فوبيا»، ولكنها في أغلب الأحوال ستكون حالة مؤقتة سرعان ما تغتالها ذاكرة موغلة في النسيان.

في العالم المتقدم يأتي رئيس، ويذهب آخر، فالمجد هناك لا يقاس بمدى الجلوس على الكرسي، ولكن بقدر المنجز، وهذا ما جعل تشرشل حيا في ذاكرة البريطانيين، وديغول في عقول الفرنسيين، وكيندي في وجدان الأميركيين، أما أشهر رئيسين في العالم العربي تنازلا طواعية عن الكرسي فهما الرئيس السوري شكري القوتلي، حينما تنازل عن الرئاسة في سورية لصالح عبد الناصر من أجل عيون الوحدة العربية، فلقبوه بالمواطن الأول، وحينما سلم سوار الذهب الحكم في السودان إلى الأحزاب نعتوه بمعاوية بن يزيد، وإن كان ما ضحى من أجله الاثنان للأسف كان قبض الريح، فالوحدة فشلت بين مصر وسورية، وحكم الأحزاب خطفه العسكر في السودان، ولكن بقي الرجلان في عيون الناس والتاريخ في موقع الإنصاف والتقدير.

[email protected]