صدقيني والله أنا ولا حاجة!

TT

أنا أقول لك من أنا.. أنا يا سيدتي ولا حاجة. لا اسم ولا جسم ولا رسم. أخطو ثقيلا في طريق الصحافة. إلى أين.. لا أعرف. وهل أبقى في هذه المهنة؟ هل ألقي بكل كتب الفلسفة ونظرياتها في الزبالة؟ هل أخطأت عندما دخلت قسم الفلسفة وعندما اشتغلت بتدريس الفلسفة في الجامعة؟ من أنا؟ والله لا أعرف ولا جلست يوما واحدا أسأل نفسي من أنا. وكم أساوي في عالم الورق والقلم. والله ولا حاجة. صدقيني أنا لا أبخس نفسي حقها. فأنا لا أعرف لها قيمة. لا كتبت ولا قلت شيئا يلفت أحدا. أنا كتبت مقالا أعجب الأستاذ العقاد. وكتبت مقالا أعجب طه حسين. وكتبت مقالا لأباهي أستاذي الفيلسوف عبد الرحمن بدوي. وهو يقول للأستاذ د. لويس عوض: هذا تلميذي وأنا توقعت له وتنبأت..

وكتبت مقالا وأنا طالب أعجب به د. شوقي ضيف وطلب مني أن أقرأه على زملائي وتنبأ لي. ولما حصلت على جائزة الدولة التقديرية كتب مقالا بديعا في «الأهرام» يقول إنه أول من تنبأ لي.

ولكن صدقيني. والله لا أكذب. أنا لا أشعر بأنني أي شيء. صدقيني لا أقول لك لكي أهرب من رغبتك في أن نتزوج. أبدا والله. وعندما أخذت بيدي لكي يباركنا البابا يوحنا الثالث والعشرون وأنت طلبت من البابا أن يباركنا وأن يثبت أقدامي وأن يهديني. لم أجد حرجا في أن أقول: يا قداسة البابا ما تعلمته من الفلسفة قد مزقني وأرهقني وسلطني على نفسي أحاربها ليلا ونهارا. أعاقبها على أنها درست الفلسفة ولم نخرج منها بشيء. فقط بشعور الحسد للذين لهم دين. فالذين يؤمنون ويصلون ويرفعون أيديهم إلى السماء يقولون: يا رب.. وهم موقنون بالإجابة. وأنا أشعر بالكسوف من الله الذي أعطاني الكثير وحرمني من الشعور به. فهل هناك أسوأ من هذا؟ ولا ألوم إلا نفسي. فهل يرضيك أن ترتبطي بشخص معذب لن يكون قادرا على أن يعطيك ما هو محروم منه؟ أنت يا حبيبتي تستأهلين من هو أنشط، من هو أذكى، من هو أحسن تقديرا لجمالك وذكائك. وهل تظنين أنني سعيد بالحديث إليك. والله أنا تعيس جدا. وكيف تستطيعين أن تتفرجي على واحد يدق رأسه في الحائط كل يوم ويود لو يضرب نفسه بالجزمة. فهل هذه هي الصورة الرائعة التي تنتظرينها؟.. حبيبتي.. والله لا أستحقك.. فأنت كثيرة جدا. حبيبتي صعب على نفسي أن أقول ما قلت. ولكن لا أجد شيئا آخر أقوله. أنا أعرف أنني سوف أندم. ولكن الندم لن يضيف لي شيئا. فأنا نادم كثيرا وطويلا على ما فعلت وما لم أفعل.. على ما قلت وما لم أقل. وإذا كان أستاذنا سقراط قد عرف الإنسان بأنه حيوان ناطق.. وحيوان فليسوف.. وحيوان عاقل.. وحيوان أضحوكة.. فأنا حيوان نادم.. أو إنني نادم وبلا حياة. حبيبتي اتركيني أعيش كأنني ميت وميت كأنني حي.. عيشي حبيبتي.. أحبي.. اسعدي فأنت تستحقين كل ما في الدنيا من جمال وبهاء وسعادة.

(من مذكرات لم تنشر بعد)