باراك يتحالف مع نتنياهو ولا مصالحة بين عباس وهنية بعد

TT

حتى تتمكن الحكومة الإسرائيلية من مواجهة الضغط الأميركي وتبديد آمال الفلسطينيين في سقوطها وحلول حكومة جديدة محلها لتستأنف التفاوض، تحالف وزير الدفاع الإسرائيلي مع رئيس الوزراء لتكوين جبهة واحدة. فقد أعلن إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي استقالته من رئاسة حزب العمل أول من أمس، كي يتمكن من الاستمرار بمشاركته في حكومة نتنياهو الائتلافية. وبينما قدم ثلاثة وزراء من حزب العمل استقالتهم من حكومة الائتلاف اليميني، قرر باراك ومعه أربعة من نواب الحزب في الكنيست تكوين حركة سياسية جديدة تستمر في تحالفها مع الحكومة. وجاء قرار باراك بعد تصاعد ضغوط حزب العمل عليه للخروج من الائتلاف الحكومي الحالي، وتقرر تصويت الحزب على قرار الخروج في شهر فبراير (شباط) القادم. وبينما رأى باراك أن اتجاه حزبه إلى اليسار ومعارضته لمواقف نتنياهو المتصلبة في المفاوضات مع الفلسطينيين سوف يضعف موقف الحكومة الإسرائيلية في التفاوض، فقد أدان حزب العمل إصرار نتنياهو على الاستمرار في بناء المستوطنات مما أدى إلى توقف المباحثات المباشرة من الفلسطينيين في سبتمبر (أيلول) الماضي.

يعتقد باراك بضرورة توحيد الموقف الإسرائيلي في المرحلة الحالية، حيث تواجه إسرائيل تحديات كبيرة خاصة في المجال الأمني. ورغم أن انسحاب حزب العمل من التحالف الحكومي القائم سيحرم حكومة نتنياهو من ثمانية أصوات في الكنيست، فإنها ستظل تحتفظ بأغلبية 66 صوتا من مجموع 120 عضوا، بسبب انشقاق أربعة نواب مع باراك على حزب العمل. وهكذا انضم وزير الدفاع الإسرائيلي إلى رئيس الوزراء، وخيب آمال تسيبي ليفني رئيسة حزب كديما المعارض في إسقاط تحالف الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.

كان إيهود باراك قد تولى رئاسة الوزارة في 1999، بعد نجاح حزب العمل في الانتخابات على برنامج تحقيق السلام مع الفلسطينيين، ولكن حزبه لم ينجح في انتخابات سنة 2001 بسبب عدم التوصل إلى اتفاق سلام مع ياسر عرفات في كامب ديفيد برعاية الرئيس بيل كلينتون. وفي لقاء للسيدة هيلاري كلينتون مع برنامج «كلام نواعم» على قناة MBC1 في 16 يناير (كانون الثاني)، قالت وزيرة الخارجية الأميركية إن زوجها كان قد اقترب كثيرا من تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في لقاء كامب ديفيد بين إيهود باراك وياسر عرفات في يوليو (تموز) 2000، ولو تحقق ذلك لكان للفلسطينيين الآن دولة عمرها عشر سنوات. كما قالت إن عرفات بعد أن رفض اقتراحات كلينتون، عاد واتصل به بعد بضعة أشهر ليعلن عن موافقته على اتفاق كامب ديفيد، فرد عليه كلينتون قائلا إن الوقت قد صار متأخرا حيث لم يعد هو رئيسا للجمهورية بعد انتخاب جورج بوش في 2001.

كما ردت هيلاري على بعض من طالبوها بالضغط على إسرائيل، فقالت إنه من الضروري أن يصل الفلسطينيون والإسرائيليون كلاهما إلى اتفاق يقبله الطرفان. فبينما يريد الفلسطينيون تكوين دولتهم من دون مستوطنات، فإن الإسرائيليين يريدون التأكد من ضمان أمن بلادهم بعد تكوين الدولة الفلسطينية. فبعد انسحابهم من جنوب لبنان سنة 2000 يقال إن حزب الله حصل على أربعين ألف صاروخ لضرب إسرائيل، وبعد انسحابهم من غزة حصلت حماس على عشرين ألف صاروخ لضرب إسرائيل.

وفي الوقت الذي يتوحد فيه قادة إسرائيل استعدادا لخوض جولة حاسمة من التفاوض وتقرير المصير، لا يزال الفلسطينيون مختلفين - ليس فقط على برنامج التفاوض مع إسرائيل - بل حتى على تكوين دولة فلسطينية موحدة على أرض فلسطين. فقد فازت حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي أجريت في يناير 2006، وقامت بتشكيل الحكومة برئاسة إسماعيل هنية. وفي نفس الوقت تم اختيار محمود عباس - الذي ينتمي لحركة فتح - رئيسا منتخبا للسلطة الوطنية الفلسطينية. وسرعان ما نشب الخلاف بين حماس وحكومتها من ناحية والرئيس عباس وحركة فتح من ناحية أخرى، بسبب رفض حماس الاعتراف باتفاقات أوسلو الذي وقعته السلطة ومشروع السلام مع إسرائيل، وأصرت حماس على الاستمرار في أعمال المقاومة المسلحة ضدها. وفي النهاية استقلت حماس بحكم قطاع غزة المحاصر، بينما السلطة الفلسطينية حكومة برئاسة سلام فياض في الضفة الغربية، فصار للفلسطينيين حكومتان وسلطتان في وقت لم يتم فيه بعد إعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة. ورغم المحاولات التي قامت بها السعودية وقطر وليبيا للتوفيق بين الطرفين، فلم تتمكن أي منها من اختراق الحاجز القائم بين الطرفين.

ومنذ نحو عامين قامت السلطات المصرية بوضع اتفاق للمصالحة بين فتح وحماس، تمت صياغته بناء على اقتراحات الفصائل الفلسطينية التي تم دعوتها للقاء في القاهرة. ورغم موافقة فتح على توقيع الاتفاق، فقد طلبت حماس في البداية تأجيل توقيعها بضعة أيام، ثم راحت تماطل في التوقيع وتطالب بتعديل الاتفاق نفسه. ورغم اللقاءات المتعددة التي تمت في دمشق بين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس وعدد من قادة فتح، لم يتم التوافق حتى الآن على عودة غزة إلى حظيرة السلطة الفلسطينية ومواجهة الجانب الإسرائيلي بموقف فلسطيني موحد. وبينما استطاع باراك ونتنياهو الاتفاق على موقف واحد يمثل إسرائيل في المرحلة القادمة، فلا يزال الخلاف بين حركتي فتح وحماس قائما، مما يضعف موقف المفاوض الفلسطيني في مواجهة إسرائيل.

كانت المفاوضات قد بدأت بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية، في 2 سبتمبر الماضي، بهدف الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية وضمان أمن إسرائيل. وبعد نحو شهر واحد من بدايتها أعلنت القيادة الفلسطينية توقف المفاوضات بسب إصرار إسرائيل على الاستمرار في بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبينما تعد الحكومة الأميركية الآن لمرحلة جديدة من المفاوضات وتستعد إسرائيل لتقديم مطالبها الرئيسية، هل يستطيع الفلسطينيون توحيد موقفهم قبل نهاية ولاية باراك أوباما وفوات عشر سنوات أخرى من دون دولة للفلسطينيين؟