النموذج التونسي

TT

لعل إيرانيين كثرا يراقبون ما جرى ويجري في تونس بكثير من الحسرة والترقب. الثورة الخضراء التي بدأت قبل عامين في شوارع إيران وكادت تطيح بالنظام أخمدت بكثير من الحديد والنار والإعدامات.. لكن ما فات الإيرانيين تحقيقه بدا ممكنا في تونس.

كما نقبنا وتابعنا دور المدونين والشباب الإيراني في ثورته قبل أن تجهض فإن وقتا آخر سيمر قبل أن ندرك تماما كيف تمكن التونسيون من خرق الحصار الإعلامي الحديدي الذي كان مفروضا عليهم وينسقون انتفاضتهم. يبدو أن الانتفاضات الافتراضية باتت تكرس موقعها في عالمنا اليوم؛ إذ لم تعد الانتفاضات تحتاج أياما وأسابيع للتحضر والتواصل. فمع ما جرى في تونس يبدو أن ساعات قليلة قادرة على قلب المعادلات على نحو دراماتيكي. منذ اللحظات الأولى للانتفاضة التونسية استبدلت شريحة واسعة من رواد موقعي «فيس بوك» و«تويتر» بالصور الشخصية التي تمهر صفحاتهم صورة للعلم التونسي أو صورا لمحمد البوعزيزي، الشاب الفقير الذي أودت به ضائقته لإحراق نفسه فتحول إلى أيقونة أشعلت الشوارع التونسية حتى غدت صورة هذا الشاب صارخا والنار تتآكله رمزا يتماثل كثيرون معه.

لا شك أن عوامل عدة تضافرت للوصول إلى التغيير الهائل الذي حدث في تونس، لكن ما شهده الفضاء الافتراضي من حراك لم يكن افتراضيا ألبتة، بل يبدو أنه كان يملك طاقة تغييرية كبيرة في الواقع.

لقد حمل المشهد التونسي المستجد مفاجآت عدة، ووسط سعينا لفهم ما جرى لا ينبغي إهمال البعد الرقمي أو التطور التقني؛ فقد حققت تونس معدلات فائقة التطور تقنيا، عربيا وعالميا، لكن هذا التطور كان ناقصا من جرَّاء القيود الصارمة التي كانت تمارس على حرية التعبير.

لكن يبدو أن الموقع المتقدم للتونسيين في هذا القطاع قد سمح لهم باستثمار سريع وفاعل لمعرفتهم، وبالتالي لعب هذا الدور الفعال والهائل في إسقاط الرئيس التونسي. فقد استخدم الآلاف الإنترنت لتبادل الدعم والتنسيق، وقد تمكن التونسيون من كسر طوق الرقابة بقوة.

أفلت التونسيون من عقال الضبط وتحولوا إلى صحافيين ومراسلين وناقلي أخبار عبر ساحات الإنترنت. وكانت وسائل الإعلام الغربية تترصد ما يبثه هؤلاء لتنقله بدورها إلى العالم. لا شك أن حوادث الصدامات في إيران عام 2009 ومؤخرا المواجهات في مصر والحيوية التي ظهرت عبر الإنترنت في كلا البلدين قد ألهمت، ربما، التونسيين. يبدو أن تونس افتتحت زمنا يتقدم الهم الاجتماعي والمعيشي الهموم الأخرى وسيكون الاحتجاج على الطريقة التونسية نموذجا؛ فهو اتسع إلى الجزائر وثمة إشارات عنه في المغرب وارتدادات له في الأردن وأخرى في مصر. وهنا تشكل صورة هذا الاحتجاج المقبلة عبر وسائل الاتصال المختلفة اقتراحا يمكن أن تتبناه المجتمعات التي تستقبل الصورة وتكابد ضائقة مشابهة.

الإعلام هنا أمام مفترق جديد، وعلى نحو ما عمم النموذج الإسلامي العنفي، لديه طاقة تعميم صورة المحتج على ضائقته المعيشية.

diana@ asharqalawsat.com