يداري خبزته

TT

من الممكن للإنسان أن يعمل شتى الأشياء بالخبز، يعمل منه الساندويتش أو الثريد أو التشريب أو الحلوى، ويأكله مع الكباب أو المرق أو التمر أو الجبن. ممكن نعمل منه أي شيء، ولكنني لم أتصور أحدا يعمل منه لقبا لعائلته. ولهذا استغربت تماما من اسم السيد عبد المجيد خبز، احد الموظفين الدبلوماسيين العراقيين السابقين. سألت كثيرا من الناس. لماذا سمي بهذا الاسم؟ هل كانت والدته خبازة؟ قالوا لا. هل كان يفرط في أكل الخبز، أو يكره الخبز أو يخبز الخبز أو يسرق الخبز؟ قالوا لا. لم احصل على جواب من الناس، حتى التقيت بأحد زملائه مؤخرا، وحكى لي اصل الحكاية.

كان من المعتاد للوصي على عرش العراق، الأمير عبد الإله، أن يزور لندن من حين لآخر. ومن الطبيعي اعتاد موظفو السفارة على الخروج لاستقباله. ومن بينهم جميعا، دأب صاحبنا عبد المجيد على تقبيل يده حالما يصل. وكان ذلك يسبب إحراجا لبقية الموظفين. فتوسلوا به أن يكف عن هذه العادة ولا يحرجهم.

أجابهم قائلا: «كل إنسان يتصرف حسب ما يريد. وأنا أريد أداري خبزتي. وأبوس يد كل من تتوقف عليه».

ومن حينها شاعت تسميته باسم عبد المجيد خبز. وأتذكر أنني عندما كنت أراجع السفارة، كانوا يقولون لي خذ عريضتك للأستاذ عبد المجيد خبز، أو روح ادفع الرسم عند عبد المجيد خبز، وهكذا...

والطريف كما يبدو انه لم ينزعج قط من التسمية، بل اعتز بها. وحدث أن حصل نزاع بينه وبين احد الوزراء، بشأن ارض تعود له. فذهب إلى المحامي عبد المنعم الخطيب يستشيره. وبعد أن استمع الأستاذ عبد المنعم للتفاصيل، اخبره بأن الحق في جانبه. ثم عرض عليه أن يوكله ليشتكي على الوزير. مضت عدة ثوان ينتظر الجواب، وكان: «خليني شوية أفكر». ثم خرج من المكتب ولم يعد. مر أكثر من سنة على تلك الاستشارة، وإذا برجل يقتحم باب المكتب في عجل وهمة. ولم يكن الرجل غير صاحبنا عبد المجيد خبز. وتوجه فورا إلى منضدة المحامي: «عزيزي عبد المنعم، اشتكي عليه! اشتكي على هالشخص»!

صعق عبد المنعم في مكانه. وكان قد نسي الموضوع كليا. واحتاج إلى بضع دقائق ليتذكر تفاصيل القضية، حتى اذا تذكرها التفت إلى السيد عبد المجيد خبز وسأله: «آخر مرة كنت هنا، قلت لي تريد تفكر بالموضوع. طلعت من المكتب وما رجعت. هذي سنة فاتت. ما السر»؟

أجابه عبد المجيد خبز، وقال: «صحيح قلت لك أريد أفكر بالموضوع. ففكرت زين وشفت أن هذا الرجل وزير بالحكم، يقدر يضر وينفع، وأنا إنسان أداري خبزتي. لكن اليوم سقطت الوزارة، والوزارة الجديدة قرأت أسماءها. ما بيها اسم هالشخص هذا. يا الله عاد أستاذ عبد المنعم، اشتكي عليه والعن حظه»!

وكانت أيام... أيام خبز وفاتت.