كان اعتمادا أكاديميا ووطنيا

TT

كثير من الناس لا يعرفون ماهية مصطلح الاعتماد الأكاديمي، لكنه ببساطة يعني التصديق على البرامج الأكاديمية في الجامعات من قِبل جهات دولية متخصصة في التقييم، وبالتالي فإن حصول الكليات الجامعية على هذا الاعتماد يعني أنها حققت معايير الجودة العالمية المطلوبة للتعليم الجامعي، وهي معايير تتضمن مستوى التدريس والبحث العلمي والإدارة.

وعلى الجامعة التي تعقد العزم على الدخول في هذا التحدي مع النفس، ومع النظام العالمي للجامعات، أن تكون على قدر كبير من الجرأة والثقة، لتقديم نفسها لجهة دولية لا تحابي ولا تعرف المجاملة، لأن بإمكان هذه الجهة وبكل أريحية رفض اعتماد الكلية المتقدمة من دون أن يتحرك لها رمش.

ولأنني كنت ضمن مجموعة كبيرة من الزملاء والزميلات في كلية العلوم بجامعة الملك سعود في مباراة الحصول على هذا التصديق من هيئة اعتماد ألمانية، ارتأيت أن أطرح أمام القارئ الكريم البعد الآخر من أبعاد هذا الامتحان، وهو المهارة في تقديم الذات بصرف النظر عن نتيجة الاختبار.

الفريق الألماني أوصى مؤخرا بمنح كلية العلوم اعتمادا أكاديميا، وكان ذلك نتيجة طبيعية لجهود هائلة من كل فريق الكلية إدارة وأعضاء، من الرجال والنساء خلال عمل مشترك، متجانس المهام، مكثف، بروح الفريق الواحد، دام أكثر من سنتين. ولمزيد من العلم فكلية العلوم من أكبر الكليات في جامعة الملك سعود، من ناحية عدد البرامج الأكاديمية وعدد الطلاب والطالبات ومنسوبيها وباحثيها، وقد كان لي مقال سابق تحدثت فيه عن القدرات البحثية للكلية، وبذلك تكون «العلوم» قد حققت، بحصولها على الاعتماد الأكاديمي الدولي، ركني العمل الجامعي: الأكاديمي والبحثي.

الجدير بالتركيز عليه هو ما ذكره رئيس فريق الاعتماد الألماني خلال الجلسة الختامية لإعلان النتائج، حيث كان حديثه حول ما رشح لهم من الكلية حديثا إيجابيا في مجمله، فيه إشادة بمعايير الجودة العالية التي تم تطبيقها في الكلية، والمخرجات البحثية الكبيرة التي تحققت والمتوقعة في المستقبل. لكن ما أثار المشاعر وأبهج الخاطر هو إشادته بشكل خاص بالقسم النسائي في كلية العلوم. مهما قيل عن قدرة المرأة ومهارتها وجديتها في العمل، سواء كانت طالبة أو عضو هيئة تدريس أو باحثة، فلن يكون وقعه كما نسمعه من جهة خارجية لا يهمها صراع إثبات الوجود الذي نمارسه بشكل يومي، ولا تعنيها المراحل، ولا تلتفت لحجم الجهد المبذول. هي جهة جاءت لتقول أنتم تستحقون أو لا تستحقون الاعتراف بأنكم تقدمون تعليما جامعيا جيدا.

منذ اليوم الأول لحضور فريق الاعتماد الألماني كان الحديث عن هذا اللغز المسمى: المرأة السعودية. بجانبي تحدثت إحدى عضوات الفريق الأجنبي كيف أن انطباعهم عن المرأة السعودية متضارب، فبعضهم سمع ورأى، وليس من سمع كمن رأى. سألتني ببساطة: «هل تسمح لكم الجامعة والدولة بالتجوال الدولي لأنني أعلم أن المرأة السعودية ليست منفتحة على العالم؟»، شرحت لها أننا نعيش في مجتمع محافظ، لكن هذا لم يمنعنا من الانفتاح على أقصى نقاط العالم بعدا عنا، مدفوعين بطموح لحوح، وبدعم إدارة الكلية والجامعة، وحث من الأسرة. وتواصل الحديث في اجتماع اليوم الثاني ما بين وضع المرأة الألمانية التي كانت قبل 15 عاما تأخذ الإذن من زوجها لتستطيع أن تحصل على وظيفة، والنظام العالمي اليوم الذي لم يعد يعمل بجنس واحد. ضم الحديث كذلك طالبات الكلية اللاتي أثرن إعجاب المقيّمين، سواء على المستوى الأكاديمي أو الشخصي، وبالأخص طالبات قسم الفيزياء اللاتي أتيحت لهن دورات تدريبية في مواقع عالمية مرموقة، واضعات لأنفسهن خطة خمسية لما بعد التخرج واضحة الأهداف والتوجه.

قالت الضيفات بعد لقائهن بالطالبات: «للكلية الحق أن تفخر بطالباتها». وفي اليوم الثالث، الختامي، همست لي إحدى عضوات الفريق بأن الأكاديمية السعودية تملك اليوم في يدها ما لا تملكه الأوروبية، فلديها مقومات مادية، وقيادة جامعية توجهت للتركيز على استخدام قدرات القطاع النسائي أكثر من أي وقت مضى، ودولة تتطلع لتكون المرأة السعودية الأكاديمية شخصية عالمية منافسة. قلت لها عن عمد، إن المرأة السعودية بشكل عام تشبه محاربي الـ«Viking»، الاسكندنافيين الذين غزوا أوروبا، ومن ضمنها ألمانيا.. إنها تشبههم في ضراوتها في نهش المستحيل، ومهارتها في الإبحار في عين العاصفة، وصبرها على قسوة المناخات الباردة، وجرأتها على توطين نفسها في مساحات الغير. لكني شخصيا وضعت سلاحي وعلقت غصن الزيتون، لم أعد منهن، لا حاجة لمزيد من حملات إثبات الوجود، لأن الحاجة إلينا تشرح نفسها، ودورنا لم يعد أحد يجادل فيه، ومستقبلنا أراه اليوم أمام عيني طريقا غابت عنه الوعورة، لكنه ممتد، وعلى جوانبه العديد من محطات الوقود.

خرج الفريق النسائي الألماني بعد لقائه بالعناصر النسائية في كلية العلوم بصورة ذهنية مختلفة.. كان دورنا يزيد عن تمثيل الكلية للاعتماد الأكاديمي، رغم الأهمية الجوهرية لهذه الخطوة، لأنه في شقه الآخر، كان اعتمادا لهويتنا الوطنية.

* جامعة الملك سعود