مبادرة من نوع آخر

TT

سنحت لي الفرصة لمشاركة مجموعة مهمة من رجال الأعمال من مختلف أنحاء العالم العربي في لقاء دعانا إليه الوزير المصري الاستثنائي المهندس رشيد محمد رشيد، والأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، وذلك لتقديم مجموعة أفكار على شكل مبادرة أمام القادة العرب، وذلك في القمة الاقتصادية التي تعقد في شرم الشيخ حاليا. وتأتي هذه الخطوة المهمة لتأسيس دور مبني على الشراكة الحقيقية بين الدول والقطاع الخاص في صناعة الشأن الاقتصادي، بحيث يتم تأسيس نهج وقواعد مؤسسية لعلاقة مستدامة بين الطرفين، أساسها الثقة التي لم تكن موجودة، وإن وجدت فهي في أحسن الحالات مشكوك فيها.

لسنوات طويلة عانى رجال الأعمال في العالم العربي من نظرة دونية لهم، وتهميش تام لآرائهم مهما كانت وجيهة، والتعامل معهم بريبة وأنهم مجرد منتهزين للظروف ولا همّ لهم إلا الربح السريع، والحكومات لديها قناعات بأنها «أفهم وأقدر» على استيعاب المشكلات ومعرفة الحلول لها، ولا حاجة لها لآراء «آخرين».. هذا الوضع ولّد هوة كبيرة، كان من نتاجها وجود مناخ غير سوي وغير صحي في المجال الاقتصادي، مولدا بطبيعة الحال مناخا مناسبا للفساد والضبابية والاستبداد، ولذلك تأتي هذه المبادرة التي الغاية منها تقديم أفكار وخطة عمل مرفقة بسقف زمني وعناصر ومعايير للقياس، وهذه خطوة تاريخية وغير مسبوقة ولها غطاء عربي شمولي متوافق مع رغبات القيادة السياسية.

ومن دون أدنى شك، وليس بسر ولا خافٍ على أحد، أن التحدي الاقتصادي الأكبر اليوم في العالم بأسره، وتحديدا في العالم العربي، هو موضوع البطالة ونسبتها المتنامية بشكل مخيف، والتي تحولت إلى مصدر قلق اجتماعي وأمني وتهديد سياسي. معدلات النمو المغرية والمثيرة التي يتم الإعلان عنها بشكل دوري لا تنعكس وتترجَم بشكل عملي في مسألة إيجاد أعداد من الوظائف في مجالات مختلفة لكي تستجيب لطموحات الشباب. ولتحقيق ذلك طبعا هناك العديد من المشاريع والتشريعات المطلوبة، فهناك مسائل مرتبطة بالإجراءات والسياسات، وهناك مطالب تتعلق بتغيير الذهنية من الطرفين. فهناك مسائل تتعلق بتحرير القيود وإزالة الحواجز وتذليل العقبات ونزع البيروقراطية من قطاعات كاملة، بوجودها تصبح مسألة تحقيق هذه الطموحات مهمة أشبه بالمستحيلة. ومن المهم جدا أن تقرر الدولة دورها، فهل هي مشرع ومراقب، أم أن لها دورا اقتصاديا هي الأخرى وبذلك تصبح منافسا غير منصف ولا عادل ولا موضوعي في مواجهة القطاع الخاص؟ وقد حذر ابن خلدون عالم الاجتماع الفذ في مقدمته ذائعة الصيت من أن تقوم الدولة بالدور الاقتصادي، وهو قدم بذلك فكرة التحرير الاقتصادي واستقلال السوق وحريتها بشكل مبسط وسابق لزمانه. وغير خافٍ على أحد أن أحد أهم عناصر بناء الثقة وإحداث الاستقرار في السوق هو قوة وجدارة وفعالية الجهاز القضائي، وشغله بعناصر مؤهلة وغير مسيسة، ودعمها بجهاز مساند يسهم في حسم وإصدار القرارات بشكل نهائي، لأن تأجيل العدل هو ظلم مستمر.

مبادرة مجتمع الأعمال التي تبناها مجتمع الأعمال العربي وقدمت في حضرة الساسة العرب في قمتهم هي خطوة حضارية بامتياز، ويبقى التحدي الأكبر ألا يكل القائمون عليها من تحويل هذا الحماس إلى واقع قابل للقياس، لأن المبادرات من قبلهم كانت كثيرة، وكلها لحقها نفس المصير: الإحباط والفشل، لكن هناك روحا جديدة قدمت مع هذه المبادرة وعنوانها الجدية.