الهند وباكستان على شفا هاوية

TT

نيودلهي - تسير الأمور كلها لصالح الهند هذه الأيام، فيما عدا مشكلة واحدة كبرى: أنها تعيش إلى جوار باكستان التي تشهد تمزقا في أوصالها سياسيا، ويصر قادة هنود على نبرة استسلام تدور حول فكرة أنه ليس بأيديهم ما يفعلونه حيال ذلك.

بداية من رئيس الوزراء مانموهان سينغ، يدرك مسؤولون هنود بارزون أن ديمقراطيتهم المزدهرة يتهددها الخطر، جراء تفاقم الفوضى عبر الحدود. وأعلن المسؤولون الهنود استعدادهم لاستئناف المفاوضات عبر القنوات الخلفية مع إسلام آباد لتسوية مشكلة كشمير المشتعلة منذ أمد بعيد. ويفضلون اتخاذ إجراءات لبناء الثقة، للحد من مخاطر اندلاع حرب بين الدولتين النوويتين. إلا أنه في ذات اللحظة، يصر المسؤولون الهنود على أن مثل هذه الخطوات الإيجابية لن تغير شيئا، ذلك أنهم يؤمنون بأن المؤسسة العسكرية الباكستانية لا ترغب في تقليل التوترات، إلى جانب تداعي الحكومة المدنية في إسلام آباد وعجزها عن إبرام اتفاق. وحتى سينغ، الذي يبدي منذ أمد بعيد تأييده لتحسين العلاقات مع باكستان، يقال إنه خلص لنتيجة مفادها أن بناء علاقات أفضل مع باكستان لا يعدو «تفكيرا قائما على الأماني».

على بعد بضعة مئات من الأميال، في إسلام آباد، تنطلق نفس الرسالة القاتمة من المؤسسة العسكرية والقيادات السياسية. وعلى الرغم من إدراكهم أن التهديد الأكثر إلحاحا الآن لباكستان ناشئ عن المسلحين الإسلاميين، وليس الهند، وأن استئناف المفاوضات عبر القنوات الخلفية مع الهند قد يخفف حدة التوترات بين الجانبين، فإنهم لا يرون أمامهم سبيلا للتراجع عن شفا الهاوية. وهم على قناعة بأن الهنود يتآمرون لتقويض باكستان.

مرحبا بكم إذن في أخطر الألعاب السياسية في العالم التي لا بد فيها من فائز ومغلوب. الحقيقة المحزنة أن الهند وباكستان، التي انفصلت بمولدها عن الأولى عام 1947، محاصرتين داخل ما يبدو وكأنه ثأر دموي. ويلاحظ الزائر أن النبرة المرتابة التي يسمعها في نيودلهي المزدهرة هي ذاتها التي يسمعها في إسلام آباد المتمترسة.

وقد قضيت ثلاثة أيام هنا في الحديث مع قيادات هندية في إطار حوار ترعاه «مجموعة أسبن الاستراتيجية» و«اتحاد الصناعة الهندي». وعندما ناقشت معهم النزاع الهندي - الباكستاني تذكرت أسطورة تنتالوس الذي عاقبته الآلهة بأن يبقى الطعام والماء دوما بعيدا عن متناوله. وبالمثل، يبدو التقارب بين الهند وباكستان بعيد المنال، فرغم أن الجميع بإمكانهم تخيل ما يعني تقليص التوترات بين البلدين، فإنهم عاجزون عن سبر أغواره وسبل تحقيقه.

وتبدو هذه المشكلة موائمة تماما لتدخل الولايات المتحدة بدور الوساطة، خاصة أنها ترتبط بعلاقات وثيقة بين الجانبين ويمكنها الاضطلاع بدور الوسيط الأمين بشأن قضايا مثل كشمير، الخاضعة لحكم الهند، لكن كلتا الدولتين تدعي أحقيتها في السيطرة عليها. إلا أن الهنود يرون أن التدخل الأميركي قد يزيد الطين بلة ويسمم الرأي العام تجاه أي اتفاق يتم التوصل إليه.

الملاحظ أن الدبلوماسيين الأميركيين يتعمدون بالفعل التعامل بحذر بالغ مع مشكلة كشمير، لدرجة أنهم يتجنبون التفوه باسمها أحيانا، مشيرين إليها بـ«الكلمة التي تبدأ بالحرف كيه»، كما لو أن الموضوع ذاته يتعذر ذكره. وقد شجعت واشنطن الجانبين برفق على عقد حوار بينهما، لكن الاجتماعين اللذين عقدا العام الماضي بين وزيري خارجية البلدين انهارا في خضم تبادل للاتهامات. وستتاح للبلدين فرصة أخرى الشهر المقبل خلال تجمع إقليمي في بهوتان، لكن لا يبدو أحد متفائلا تجاه إمكانية إحراز تقدم.ويعتقد الجانب الهندي أن المشكلة الجذرية تكمن في أن المؤسسة العسكرية الباكستانية غير مستعدة لقطع صلاتها بالإرهابيين الإسلاميين. وحتى يتمكن الباكستانيون من سحق حركة التمرد تلك، سيبقون تحت رحمتها، ولن يخلق الحوار مع الهند أدنى اختلاف. وأكد أحد المسؤولين الهنود البارزين أن «آخر شيء نرغب فيه هو انزلاق باكستان لحالة من غياب الاستقرار»، لكنه نبه إلى أنه ليس أمام الهند أو أميركا ما يمكن فعله إزاء ذلك. وأضاف: «إنها مشكلة داخلية بباكستان، وهو أمر لا يمكننا إصلاحه». ومع احتفال الهند بنجاحها الاقتصادي، تبدو هناك نبرة تشف خفيفة إزاء مشكلات باكستان الاقتصادية. وقال المسؤول الهندي رفيع المستوى: «هناك مدرسة فكرية تقول إنه إذا كان الباكستانيون ينتحرون، فلا داعي إذن لقتلهم. لكن تداعيات ذلك مريعة».

وقد أنهيت هذه المناقشات مع المسؤولين الهنود، وقد تملكني شعور بأنهم يعانون قصر نظر، ولا يدركون أنه حال انزلاق باكستان في عنف وفوضى، فإن الهند ستعاني من تداعيات ذلك. ومع هذين الخصمين المريرين، تبقى دوما مخاطرة اندلاع حرب نووية قائمة. ولو كنت من الهنود الذين ابتسم لهم الحظ أخيرا، قطعا كنت سأود مساعدة جاري المتداعي كوسيلة لحماية نفسي. إلا أنه عندما طرحت هذا الرأي على المسؤولين الهنود، أجابني أحدهم قائلا: «يجب أن تعترف بأن هناك بعض المشكلات التي يتعذر حلها».

ولا يرغب المسؤولون هنا في وساطة أميركية ويعتقدون أن التواصل مع باكستان لن يؤتي أي نتائج جيدة. وفي تلك الأثناء، تتفاقم الأوضاع داخل جنوب آسيا خطورة يوما بعد آخر.

* خدمة «واشنطن بوست»