لماذا يستفزون رجب طيب أردوغان؟

TT

ميزة رجب طيب أردوغان أنه يقول ما عنده بشكل مباشر، في أكثر الأحيان، بعيدا عن الأسلوب الدبلوماسي ودون لف ودوران. وربما خصوصيته هذه هي التي ساهمت في رفع رصيده الشعبي والسياسي داخل تركيا وخارجها، ولكنها السمة ذاتها التي تعرضه لانتقادات لا يمكن التغافل عنها، تحاول المعارضة أن تبني عليها سياسيا لقطع الطريق على تفرد حزبه بالحكم عشية انتخابات يونيو (حزيران) المرتقبة التي قد تحمله إلى قصر «شنقايا» الرئاسي بعد انتهاء ولاية عبد الله غل.

أردوغان، الغائص حتى العمق في تفاصيل الأزمة الحكومية الجديدة في لبنان، يعرف تماما أن التمدد التركي الإقليمي هذا تحت شعار «صفر مشكلات مع الجيران» يغيظ البعض في الخارج، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي ساركوزي، والمستشارة الألمانية ميركل، ووزير خارجية إسرائيل ليبرمان. لكن المفاجأة الصدمة جاءت قبل أيام من أثينا عندما تحول اللقاء بين الرئيسين اليوناني والأرميني إلى مناسبة للهجوم على تركيا ومحاولة محاسبتها تاريخيا، رغم جسور الصداقة والحوار التي بنتها في السنوات الأخيرة مع الجانبين.

ما جرى في بروكسل مؤخرا، وخلال مشاركة السفير التركي لدى الاتحاد الأوروبي في حلقة نقاش دعي إليها السفير الإسرائيلي، كان له وقع الصدمة في أنقرة أيضا. فالدبلوماسي الإسرائيلي هذا لم يكتف بالامتناع عن الحضور دون إعلام المنظمين بذلك، بل طلب أن تقرأ مقالة مطولة كتبها افرايم انبار مدير مركز بيغن - السادات للدراسات، ونشرت في مطلع يونيو المنصرم، يدعو فيها الغرب لدعم المعارضة السياسية في تركيا «لأنهم يستحقون ذلك في وجه تبعات تحول تركيا إلى جزء من المعسكر المعادي للغرب والولايات المتحدة الأميركية».

داخليا، مواجهة جديدة بدأها أردوغان مع مجموعة من المثقفين الليبراليين الذين وقفوا إلى جانبه على مدى سنوات باسم الديمقراطية والانفتاح والحريات، لكن بعضهم أنقلب عليه، منتقدا مواقفه الأخيرة في موضوع رفع وإزالة هيكل عملاق نصب في مينة قرص على الحدود التركية الأرمينية بعدما وصفه بالأعجوبة، وبعدما أدخلت حكومته تعديلات قانونية جديدة على مسائل بيع الكحول وتناولها والدعاية لها، دعمها أردوغان بقوله: يشربون حتى التخمة من الذي يقف في وجههم؟ لكن آخر المواجهات كان خلال مشاركته في تدشين الملعب الجديد لفريق «غلاته سراي» لكرة القدم؛ حيث ارتفعت من المدرجات أصوات الاعتراض والهتاف والاحتجاج، مما دفعه لمغادرة المكان غاضبا، والرد بأن جماهير هذا الفريق لن تفعل ذلك بل هو عمل منظم ومدروس يستهدفه شخصيا. إشعال فتيل الانفجار ربما كان مع مقال شديد اللهجة كتبه الإعلامي أحمد التان رئيس تحرير جريدة «طرف» الليبرالية ينتقد فيه أردوغان الذي بات «قوميا متشددا أكثر من حزب الحركة القومية» كلفه إقامة دعوى تعويضات مادية ومعنوية بسبب القدح والتشهير رفعها رئيس الوزراء ضده.

أصوات في المعارضة تلخص صورة ما يجري قائلة إن «العدالة والتنمية» الذي كان مع وصوله إلى السلطة يتعهد دائما بتوسيع رقعة الديمقراطية وبعدم المساس بمسائل الرأي والحريات ونمط عيش المواطنين وبحماية أسس النظام العلماني في البلاد، انتقل في السنوات الأخيرة إلى إطلاق حملات وبرامج تنظيم شؤون الحياة العامة في أكثر من مسألة حساسة وسريعة الانعطاب، ربما نتائج الاستفتاء على الإصلاحات الدستورية قبل 4 أشهر كانت العامل المشجع لفتح هذه الدفاتر التي ظلت مغلقة تنتظر اللحظة المناسبة.

رئيس الوزراء التركي الذي حاول خارجيا تذكير الاتحاد الأوروبي في مقالة له في «النيوزويك» بأن «رجل أوروبا القوي هو اليوم تركيا وحدها دون أي منازع» في محاولة لإسقاط مقولة الرجل المريض التي أطلقتها أوروبا نفسها قبل أكثر من 200 عام ضد الإمبراطورية العثمانية، يستعين داخليا بالمثل الشعبي الذي يقول إن الشجرة المثمرة وحدها هي التي تتعرض للرشق وإن كل ما يستطيعون فعله هو مجرد الكلام والانتقاد، لكنه يعرف أيضا أن خصومه السياسيين الذين فشلوا حتى الآن في سحب البساط من تحت قدميه وإقناع القواعد الشعبية بالبدائل والخيارات التي يطرحونها، سيحاولون جره إلى منازلة يركزون فيها على الحلقة الأضعف عنده، استعداده للرد والتصعيد وتفجير غضبه في وجههم مما يعرضه لارتكاب الأخطاء ويعطيهم الفرص الكفيلة بالتوغل واختراق قواعد وحصون «العدالة والتنمية» متمسكين بإبراز استطلاعات الرأي التي يقومون بها، وتتحدث عن تقلص الفارق في الأصوات مع حزبه إلى 6 نقاط فقط بعدما كان قد وصل العام المنصرم إلى أكثر من 12 نقطة.

فهل يوصلهم أردوغان إلى ما يريدون؟