ثورة تونس لا تزال في المهد

TT

سيذكر التاريخ ما شهدته تونس مؤخرا بـ«ثورة الياسمين»، على الرغم من تسمية البعض لها بـ«ثورة تويتر».

وبغض النظر عن التسمية، فإن أهم سمات ما شهدته تونس كان إسقاط نظام قمعي، للمرة الأولى لا في تونس وحدها بل في العالم العربي، على يد حركة شعبية لا انقلاب عسكري. فبعد 23 عاما من حكم البلاد بقبضة حديدية أقر زين العابدين بن علي بهزيمته وفر تاركا البلاد. فمن كان يتوقع حدوث مثل هذا؟

تعرف تونس بأنها البلد العربي الأكثر هدوءا واستقرارا من جيرانها من دول شمال أفريقيا والعديد من دول الشرق الأوسط الأخرى، على الرغم من إقامة بن علي نظاما استبداديا لم يسمح لخصومه، ومن بينها وسائل الإعلام، حتى بمجرد الظهور. وفي الوقت الذي شكل فيه بن علي وعائلته والدائرة القريبة منه طبقة تتمتع بثراء واسع، كان التونسيون يواجهون صعوبات مالية وجورا. وهو ما يعني أن الأفراد كانت لديهم مشكلات وشكاوى لكنهم لم يتمكنوا من الإفصاح عنها حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ومع مصادرة الشرطة البضائع التي يمتلكها خريج جامعي شاب، كان يعمل بائعا متجولا يبيع الخضراوات، أشعل الشاب النار في نفسه في وسط الشارع، وكانت تلك الشرارة الأولى التي فجرت صمت التونسيين.

أنتم تعرفون البقية، أفسح الحادث المجال للثورة، ولم يتمكن بن علي من السيطرة عليها. حافظ الجيش على حياده، وتحولت الشوارع التي تغلي إلى ثورة أطاحت ببن علي.

قبل كل شيء، هذه ثورة أشعلت شرارتها أسباب اقتصادية. وهذا نضال الحياة اليومية لفقراء البلاد والشباب الغاضب على نحو خاص.

ردود الفعل في الشارع، كانت دون شك، نتاجا لمصاعب اقتصادية واجتماعية. لكن نظام بن علي القمعي كان عاملا رئيسيا في ذلك. لقد طالب الشعب بالحرية إلى جانب الحياة الكريمة ـ أو بعبارة أخرى - الديمقراطية.

كانت المرحلة الأولى للثورة الإطاحة بنظام بن علي، والآن يتوقع أن تشكل حكومة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والحريات، إضافة إلى سياسات تعمل على إلغاء المصاعب الاقتصادية والقضاء على الخلل في الميزان الاجتماعي.

لكن هل يمكن أن تنجح تونس؟ لعلنا لاحظنا أن الحكومات الجديدة التي حلت محل الأنظمة الشمولية التي سقطت مؤخرا في أوروبا الشرقية لم تكن ناجحة على الدوام في تلبية التوقعات، كما هو حال الثورة البرتقالية في أوكرانيا وثورة الورود في جورجيا.

ومن ثم تقف ثورة الياسمين في تونس الآن في مواجهة اختبار صعب، ومكمن الصعوبة هنا هو تلك الهوة السياسية التي تشهدها البلاد، فما من قائد جديد للبلاد بعد، ولا يزال البنيان السياسي كما هو منذ ترك بن علي البلاد. والحكومة المؤقتة مكونة من أعضاء الوزارة السابقة. ستجري الانتخابات في وقت قريب، لكن الفترة المقبلة ستكون بالغة الحساسية.

هل هناك إمكانية لمشاركة المعارضة السياسية؟ هل السياسيون السابقون الذين هربوا قبل سنوات، وقيادات الحركة الإسلامية، سيسمح لهم بالمشاركة في السياسة التونسية بحرية؟

تشكيل حكومة ديمقراطية تمثل التونسيين، أمر بالغ الحساسية بالنسبة للمواطنين، لكن توفير فرص عمل جديدة والقضاء على البطالة التي وصلت إلى 30% وظروف معيشية أفضل، تمثل في الوقت الراهن أولويات ضرورية. دائما ما تكون الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية نقطة تحول تاريخية، بيد أن الثورة ليست مجرد إسقاط نظام. بل إن إحداث تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية لتلبية التوقعات جزء من هذه الثورة. وهذا ما يتطلب بعض الوقت والجهد.

حتى هذه اللحظة لا تزال تونس في مستهل الطريق.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية.