كرات الثلج!

TT

الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي مسقط رأسه مدينة «سوسة» في تونس، ولكن التوانسة سرعان ما اكتشفوا أن «السوسة» الحقيقية كانت الحاشية التي تحولت إلى عصابة نفوذ تمتص الدماء الاقتصادية في البلاد عبر شبكة من المحاسيب والأنصار ترتع في مختلف المجالات مستخدمة استبداد الرئيس، فالاستبداد دائما ما يولد الفساد.

همّ مضحك وآخر مبكٍ! المشهد التونسي مستمر في فصوله، فها هم اليوم يحاولون جاهدين تدمير الحزب الحاكم ودفن رموزه، تماما مثلما حدث مع العراق و«بعثه» المريب، وما حدث في مصر مع الاتحاد العربي الاشتراكي، وما سيحصل في السودان واليمن عما قريب كما يبدو. تصفية الحسابات لها أشكال معروفة، ولكن يبقى الإدراك ومن يتعظ!

كرات الثلج «التونسية» تواصل تدحرجها، فهناك دعاة ومشايخ حاولوا استثمار المشهد التونسي وتلعثموا محتارين ما بين مباركة ما قام به البوعزيزي من حرق لنفسه والانتحار، ومن ثم إطلاق شرارة الحرية والثورة، وما بين تحريم ما قام به، ولكنها الأفواه نفسها التي مجدت وهللت وباركت الهجمات الانتحارية وبررت لها، وما زلنا إلى اليوم ندفع ثمنها بشكل باهظ.

الانتحار واحد بغض النظر عن السبب، فالباطل باطل والحرام حرام مهما حاول البعض تزيينه، تماما مثلما يحاول البعض تأصيل ومأسسة التفرقة الاجتماعية داخل المجتمع بآراء وفتاوى تنتمي إلى النازية وليست إلى الإسلام، ولكنه العقل المريض والعلم غير المكتمل، وكل ذلك باسم الدين والدين منهم براء! ها هو السودان ينقسم «رسميا»، وبالاستفتاء الدولي، والبشير مستمر في الحكم، في فترة الاستفتاء قام هو وجيشه بالقضاء الكامل على كل وجود عسكري لأي فئة في دارفور، وبهذا يستغل فترة الاستفتاء لإغلاق ملف دارفور «بشكل مؤقت».. فالحكم أهم من السلام الأصلي!

حكيم السياسة الخارجية بالسعودية، الأمير سعود الفيصل، يطلق تحذيره الشهير من حصول الانقسام والتقسيم بلبنان (كما حذر من قبل من المغامرات الصغيرة فيه)، وينذر بالخطر القادم على البلاد. ومن السخرية أن يكون الخيار الوطني في لبنان اليوم في أيدي ميشال عون ووليد جنبلاط، ولا أعتقد أنني في حاجة إلى أن أزيد! اليمن مفتوح على مشاهد جديدة من القلق والتمرد بوادرهما ظهرت على السطح، والحكومة تحاول إطلاق لقاءات حوارية جديدة، ولكن هناك انعدام ثقة واضحا بين الأطراف مما سيجعل هذه المسألة مهمة مستحيلة جدا. السعودية رفعت يدها، وهي مسألة شخصيا أعتقد أن وقتها قد آن، فلنترك اللبنانيين «يدبروا حالهم» قليلا، فقد أتعبونا بما فيه الكفاية!

يستيقظ العرب يوميا وهم في قلق وريبة، وسؤالهم واحد لا يتغير: من أين ستأتي الكف اليوم؟

[email protected]