الغنوشي يتصالح مع الغنوشي

TT

مفارقة غريبة عجيبة في تونس ما بعد زين العابدين بن علي، غنوشي يحاول التشبث بالحكم في تونس، وغنوشي في المنفى يستعد للعودة إلى تونس. الأول، وهو محمد الغنوشي، كان رئيس وزراء بن علي قبل الانتفاضة، وهو الآن رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، ما بعد الانتفاضة.. حكومة يرفضها الشعب ويطالب بتنقيتها من رموز النظام البائد.. وعلى رأسهم الغنوشي.

أما الثاني فهو راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، السجين السابق واللاجئ السياسي في لندن، والمهجّر من وطنه، غصبا وقهرا.. الذي ينتظر إذن العودة أو قانونا للعفو ينهي سنوات من الظلم والبعد عن الأهل والأحبة.. وخاصة الوطن.

تطابق الأسماء أسهم في بقاء شبح الغنوشي، اللندني، ذي اللهجة الحامية الجميلة، على الرغم من النفي القسري، مهيمنا على كوابيس الرئيس بن علي، على الرغم عنه، ولعقدين من الزمن.

الغنوشي الأول كان لا يعترف بالغنوشي الثاني، كان يرفض حتى ذكر اسمه، لكن، على الرغم عنه، أيضا، فقد كان ملتصقا به أكثر من أي تونسي، أين المفرّ؟ هنا غنوشي وهناك غنوشي.

ولعلها مشيئة الله أن يكون رئيس وزراء تونس يحمل نفس اللقب لرجل اتخذه بن علي وحزبه وكل نظامه عدوا و«فزّاعة»، يعتقل ويعذب ويهان ويهجر باسمه كل من خالف الرئيس وآل الرئيس..

الآن وقد ذهب بن علي، عفوا فرّ، وفي مؤشر على تصالح، قد يحدث أو لا يحدث، بين «الغنوشيين»، بدأ غنوشي «قصر القصبة» يتصالح مع غنوشي المهجر ومع حزبه، ويعطي الإشارات تلو الإشارات: «أنا أولى التونسيين بالغنوشي، أنا شقيق روحه، أنا وهو واحد، لا فرق، فقط اختلاف في الأسماء، لا أكثر ولا أقل، فسنوات السجن والاعتقال والتعذيب، وأحكام الإعدام والمؤبد، وانتزاع الأملاك، وترويع الزوج والعيال والأهل وكل (الحوامية)، والمراقبة البوليسية في داخل تونس وخارجها، صدقوني لم تكن إلا جلدا للذات، ألم يكن محمد، صلى الله عليه وسلم، راشدا»، سبحان الهادي مقلب القلوب.

راشد الغنوشي، أو الشيخ راشد، الذي خرج طريد الديكتاتورية والقمع قبل عقدين من الزمن، كان، قبل أيام، إرهابيا وظلاميا وأصوليا، باختصار «الإخوانجي» رقم واحد في تونس، الذي يحل دمه وماله، وباسمه، أو بسببه، يعتقل من يعتقل، ويعذب من يعذب. حتى لقبه كان من الممنوعات، في عهد لا رده الله على تونس، إلا في حالة السيد الوزير الأول، وبشرط وجوب ذكر الاسم واللقب حتى يميز بن علي والشعب من المقصود، وفقط في نشرات الأخبار، وويل كل الويل لمن يذكر العجز من دون صدر.

وحتى يلتقي محمد الغنوشي راشد الغنوشي، كان لا بد من التأكيد على أن «انتفاضة الحرية» في تونس لا علاقة لها بهما، وأيضا بالياسمين، على الرغم من التسمية المتداولة، التي لا أدري من أطلقها، عبطا أم خبثا، للاستنقاص من زخم انتفاضة شعبية على الظلم والظالمين.

* صحافي تونسي مقيم في لندن