القيادة موقف يا بك

TT

كثيرا ما سمعت من رجال حول خادم الحرمين الشريفين أن الملك عبد الله بن عبد العزيز يكنُّ الكثير من الاحترام والتقدير للراحل كمال جنبلاط، ويرى أن كمال جنبلاط كان صاحب موقف وقضية دفع من أجلها ثمنا باهظا هو حياته، لكنه لم يتزعزع عن قضيته يوما.

تذكرت هذا الأمر إثر المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه وليد جنبلاط، ابن الزعيم الراحل، أنه غيَّر موقفه وانضم إلى سورية وحزب الله، وهو ما يعتبر انقلابا من وليد بك على موقفه السابق، وعلى قضيته.. وشتان ما بين الابن وأبيه! فوليد بك يقول إنه يريد الحفاظ على السلم الأهلي بلبنان.. وهذا منطق صحيح ونبيل، وهو أمر سمعته من جنبلاط مرارا، سواء على الهاتف، أو شخصيا في آخر لقاء معه في بيروت، لكن هذا أيضا أحد أهم الأسباب اليوم لضرورة تمسك الجميع بالمحكمة الدولية؛ وذلك لتضع حدا للاغتيالات والجرائم السياسية، وتضع حدا للعب بلبنان وتهديد وحدته، وطوائفه، وفوق كل شيء وجوده، وهذا يفرض أيضا التوقف عند أمر مهم جدا.

فالبعض يرى في تصريحات جنبلاط الأخيرة أنه لم يغلق الباب تماما مع فريق «14 آذار»؛ حيث أوحى كلامه بأنه هو الذي انضم لسورية وحزب الله، بينما قد يكون لنوابه موقف آخر من عملية ترشيح رئيس الوزراء، وياللسخرية.. فحزب الله وحلفاؤه، ومن خلفهم بالطبع، يريدون ترشيح عمر كرامي لرئاسة الوزراء.. كرامي، الذي في ظل رئاسته للوزراء اغتيل رفيق الحريري، يأتي اليوم ليرأس حكومة المراد منها إلغاء محكمة الحريري! ولذا فإنني أقتنع كثيرا بما قاله النائب إيلي ماروني، عضو كتلة «الكتائب»، لصحيفتنا، أول من أمس، من أن «انتقال النائب جنبلاط للوقوف مع سورية وحزب الله، فرضه منطق التهديد والترويع الذي يحصل من خلال الانتشار المسلح ليليا لمسلحي حزب الله ما بين بلدتي القماطية وعالية (المناطق الدرزية)، وما تركه ذلك من تهويل نفسي على اللبنانيين نتيجة الخوف من السلاح»، وهذا ما لمسته من أحاديث متفرقة مع وليد بك، وهذا ما سمعته أيضا من مقربين لجنبلاط نفسه، ولآخرين على اتصال معه، ومع مقربين منه.

وقد يقول قائل: إن وليد جنبلاط قد تحرك بدافع عقلاني لحماية أتباعه من الدروز، وهذا صحيح، بل وواجب القائد، أي قائد، أن يراعي مصالح من يتبعونه، لكن مراعاة المصالح ليس الهدف منها فقط بقاء القائد نفسه، بقدر ما أن الهدف منها هو الوصول إلى تحقيق الهدف الأكبر، وهو الحفاظ على الدولة اللبنانية لحماية جميع مكوناتها، ومنهم الدروز، وليس فئة على حساب أخرى. والمباركة لأن تقود لبنان حكومة إيرانية – سورية، كما لمح سمير جعجع، تعني انتهاء الدولة اللبنانية، وانتهاء حتى الطائفة الدرزية التي ستتحول إلى تابعة لدولة الولي الفقيه، أو إلى رجال المخابرات.

إعطاء لبنان لإيران بمباركة من القيادات اللبنانية يعتبر جبنا وتخاذلا سيذكرهما التاريخ الذي يذكرنا اليوم بأن كمال جنبلاط كان رجلا شجاعا وصاحب موقف. ولذا نقول: إن القيادة موقف يا وليد بك!

[email protected]