الشباب والطبقة السياسية في تونس الجديدة

TT

ما هو واضح ولا يرتقي إليه أي شك هو أن الشعب التونسي، قام بدوره كما يجب من أجل فرض التغيير والحرية. هذه الحقيقة أظهرها الشارع التونسي لكل العالم واستحق عليها إعجابا وافتخارا خاصين.

إذن الشعب التونسي فاق التوقعات وبذل أقصى ما يمكن أن يبذله أي شعب في العالم. ولعل السؤال الحارق في هذه اللحظة المصيرية والمنعرج في تاريخ الشعب التونسي هو هل أن الطبقة السياسية في مستوى الثورة التونسية وطموحات شبابها الذين لا يفصلون بين الخبز والحرية. بل إن من حقهم أن يرفعوا سقف الحلم والطموحات بعد أن جسدوا إراداتهم بالدم وبالحسم الراديكالي في قرار عدم تجديد الثقة في الرئيس السابق.

ولكن الخوف الآن أن يكون إنجاز شباب تونس أكبر بكثير من وعي الطبقة السياسية وأدائها وخاصة فهمها لما حصل.

فتونس اليوم بعد ما شهدته من خسائر مادية ومن تخريب وحرق ونزيف مالي، في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى نخبة سياسية واعية بشروط المرحلة الجديدة واستحقاقاتها.

فلا يخفى على أحد أن المعارضة بمختلف أطيافها عرفت نوعا من التكلس وتجربتها في المعارضة متواضعة نوعيا، وهو ما يتطلب جهدا كبيرا من طرف المعارضة كي تستوعب ما حصل ورسائل الشعب التونسي وشبابه الذي بعد أن تذوق حلاوة الثورة والانتفاضة لن يقنع إلا بالديمقراطية الحقيقية والمسؤولة التي تضع مكاسب تونس في عين الاعتبار.

من هذا المنطلق، فإن أطيافا من الطبقة السياسية المعترف بها والأخرى التي تستعد للعودة إلى المشهد السياسي سترتكب خطأ فادحا إذا ظلت سجينة آيديولوجيات تجاوزها الشباب التونسي خصوصا أن موازين القوى بين الشعب والنخب قد صنعها شباب تونس وكل ما قامت به بعض النخب هو أنها تجاوبت مع إرادته التي تتقاطع مع حالة الانشقاق السياسي التي كانت تعيشها مع النظام السابق.

فقبل الولاء للآيديولوجيات لا بد من إمعان النظر والتفكير والتأمل في انتظارات الشعب بداية من حرية التعبير وجميع الحريات وصولا إلى لقمة عيش تسد الجوع وتكفل الكرامة.

إذن نحن اليوم أمام رهانات كبيرة وانتظارات أكبر، حيث تم تجاوز المرحلة التي كان فيها المنصب السياسي والحقيبة الوزارية وغيرهما امتيازا وإنما الواقع التونسي الذي يتهيأ لصنع ديمقراطية، قد جعل من كل مسؤولية سياسية اليوم تكليفا وامتحانا ورهانا.

من جهة أخرى، لا نعلم إلى أي حد ستجتهد هذه النخب في الاقتراب من الشباب وفي أن تكون صوته باعتبار أن من أسباب ثورة شباب تونس هو عمق الهوة بين النخبة السياسية الحاكمة سابقا ومكونات المجتمع المدني والشباب الماسك بوسائط الاتصال الحديثة، الذي يتميز باستقلالية عالية وبعقل نقدي واضح.

لذلك فإن الارتقاء إلى مستوى الشعب التونسي اليوم يحتم القطع في اللاوعي وعلى مستوى الممارسة مع النظر إلى المسؤولية السياسية بوصفها نزهة سياسية وتصريحات في الفضائيات الأجنبية، بل إنها تحدٍ حقيقي أمام كل مكونات المجتمع المدني. فهذا الشعب لم يقدم الأرواح النفيسة فقط ولم ينزل إلى الشارع بكثافة نوعية وكمية فحسب بل واصل في إظهار مناقبه عندما تحول إلى جيش وطني موازٍ يذود عن الممتلكات والأهل والأبناء، فكان الباعث على الأمن في أحلك أوقات الذعر.

إذن التحديات الماثلة أمام الطبقة السياسية في تونس اليوم، ليست حول كيفية توزيع الحقائب وحصة كل حزب من الثورة التي لا تملك غير إمضاء الشعب والمحامين والنقابيين. فقبل الحلم بالحصة، من المهم تقويم القدرات والإرادات والاستعدادات، ذلك أن من تذوق حلاوة الرفض وحرية الكلمة سيتخذهما طبقه اليومي كلما استدعى الأمر ذلك.