نساء قصر قرطاج

TT

حينما أطاحت ثورة الصبار في تونس بليلى الطرابلسي، حرم الرئيس زين العابدين بن علي، عن عرشها، أحكم الجميع فيها سكاكينه دون رحمة، قالوا إنها خرجت من تونس تحمل طنا ونصف الطن من الذهب، رغم نفي البنك المركزي التونسي لذلك، وإنها كانت تتوثب للإطاحة بزوجها الرئيس خلال ثلاث سنوات دون أن يخبرونا كيف، وقالوا إنها صانعة ملوك في تونس، ترفع من تشاء وتخفض من تشاء، وإنها طاحونة عقارات وأراض واستثمارات لا يقف في وجهها إلا أحمق مقامر. باختصار الكل يغرس فيها سكاكينه اليوم، ويتشفى بتقطيع سيرتها، ونعتها بالحلاقة التي تسللت إلى لقب سيدة تونس الأولى، وأنا لا أزعم براءتها من هذه التهم، كلها أو بعضها، لكن حقيقة هذه السيدة القرطاجية لا يمكن أن تقرأ بحيادية في ظل هذا المناخ العدائي السائد، خاصة أن بعض ما قيل عنها قيل ذات يوم في حق أسلافها من نساء قصر قرطاج، كالسيدة وسيلة زوجة الرئيس بورقيبة، وسعيدة ساسي ابنة أخته، حيث يزعم البعض أنه كان لوسيلة الكثير من النفوذ على القرار السياسي التونسي، وأنها كانت البوابة التي تسمح أو تمنع رقي الكوادر التونسية إلى نادي النخبة، ومثلها قيل عن السيدة سعيدة ساسي، التي كانت صاحبة تأثير خاص على قرارات خالها الرئيس بورقيبة.

ويبدو أن نساء قصر قرطاج لسن كنساء الكثير من القصور العربية الأخرى، في منأى عما يدور حولهن من أحداث أو يتخذ من قرارات، فكان لهن نصيب من السلطة والنفوذ والتأثير، ولست أدري إن كانت تلك خاصية سيكولوجية تتوافق مع طبيعة المرأة التونسية التي نالت مبكرا الكثير من الحقوق بفضل بعض القرارات التي اتخذها الحبيب بورقيبة في بدايات حكمه لتسبق المرأة التونسية الكثيرات غيرها في أنحاء كثيرة من عالمنا العربي، وربما تكون لهذه الخاصية السيكولوجية جذورها الثقافية التونسية القديمة.

صحيح أن حجم النقع الذي أثير حول السيدة ليلى الطرابلسي، بعد سقوط حكم زوجها، لا بد أن تكون له بواعثه ودوافعه، ولكني على يقين بأنه يختلط بالكثير من المبالغات، كحكاية الطن والنصف من الذهب، فأسوأ ما يمكن أن تبلى به تونس في هذه الفترة أن تحكمها الشائعة، وأن يحركها الثأر، وأن يقودها الغضب، وأن تتصرف في رغباتها وسلوكياتها بعقلية الحشد التي هي أقرب إلى الاستجابات اللاشعورية، والتي يوشك أن يكون فيها ذكاء الفرد معطلا.

وليحفظ الله تونس.

[email protected]