لبنة أفريقيا

TT

منذ أن دخلت أفريقيا مرحلة الاستقلال، دخلت مرحلة الحروب. بدأت حروب الكونغو حتى قبل خروج البلجيكيين، أوائل الستينات. وبدأت حروب أنغولا حتى قبل خروج البرتغاليين. لكن برغم شراسة الحروب وانتقال الحرب الباردة إلى القارة، ووصول المرتزقة البيض من جهة والجنود الكوبيين من جهة أخرى، بقيت دول أفريقيا ملتصقة في انتظار العثور على بيئة موحدة تربط، في كل دولة، بين مئات القبائل والفروع واللهجات.

كانت المناطق التي تبعد عن لواندا، عاصمة أنغولا، أكثر من مائة كيلومتر لا تعرف لغتها، وأحيانا لا تعرف بوجودها. وظلت أنغولا، المصدر الأول للرق، تتنازع قبائلها فيما بينها على خطف «العبيد» وتصديرهم. ويقال إن ثلث تجارة العبيد، منذ بدأت أقبح تجارة في التاريخ، جاء من هناك. في أي حال، عندما انتهت حرب أنغولا، بعد سنوات من نهاية الحرب الباردة، كانت لا تزال بلدا موحدا. وبعد نصف قرن من حروب الكونغو وملايين الضحايا، لا تزال بلدا موحدا.

لعل أهم ما قرأت في أخبار جنوب السودان، عنوان مفزع وشديد الذكاء في «الغارديان»: «السودان: تحطيم لبنة أفريقيا». والأكثر خطورة في الأمر أن التقسيم تم على أساس طائفي في قارة تقوم معظم بلدانها على مجموعتين، مسلمة ومسيحية. وقد بدأت معالم النزاع في نيجيريا، كبرى بلدان القارة السمراء. وكانت الحرب الأهلية التي قامت في الستينات على أساس قبلي وطائفي، وهما غالبا واحد، قد أخفقت في تقسيم البلاد.

لا أدري لماذا كانت الإرادة الدولية، شرقية أو غربية، تتفق على حماية القارة من التقسيم، برغم شراسة النزاع. ولست أدري إذا كانت هناك الآن إرادة مشتركة بترك القارة إلى مكوناتها البدائية السابقة. وإذا كانت هذه الإرادة قائمة، فإن أحدا لن يبلغنا طبعا بوجودها. وليس لنا من صدق المخاوف سوى علامة واحدة، هي انفصال جنوب السودان، والطريقة التي تم بها الانفصال، وعدم اندهاش أي دولة أو قوة عالمية مما حدث، أو لما حدث.

لقد أبلغنا السودان أن الحدود أو الخطوط التي وضعتها القوى الاستعمارية لم تعد خطوطا خضراء أو حمراء. وحيث لم تحقق الأنظمة الاستقلالية سوى الفقر والسحر والحروب التي لا نهاية لها وصفقات الأسلحة والماس، يبدو أن كل شيء محتمل. أو شديد الاحتمال. مع شديد الأسف.