الموقف السوري

TT

يفترض أن الدول مثل الأفراد تستفيد من أخطائها، وتقيم تجاربها، خصوصا عند التعاطي مع ملفات محددة. لكن هذه ليست الحالة مع الموقف السوري في التعاطي مع القضية اللبنانية، وتحديدا ملف المحكمة الدولية، وملف الترشح الرئاسي.

في فترة التمديد للرئيس اللبناني السابق إميل لحود أصرت دمشق على بقائه وبأي ثمن، علما بأنها كان بمقدورها أن تجلب رئيسا آخر مواليا بأقل الأثمان السياسية، وتبدو دمشق حينها وكأنها تحافظ على قوانين اللعبة في لبنان. لكن ما حدث كان العكس، حيث مضت سورية غير آبهة بكل التحذيرات ومددت للحود، واعتبر ذلك انتصارا سوريا ساحقا، إلا أنه ما لبث أن انقلب على دمشق وجلب لها عواقب وخيمة تطورت إلى يوم إعلان الرئيس السوري أمام برلمانه، بأن بلاده ارتكبت أخطاء في لبنان، وأعلن يومها سحب جيشه من هناك!

اليوم تسير الأمور في لبنان إلى نفس السيناريو، حيث تكرر دمشق أخطاءها. ففي حال انتصر مشروع حزب الله وقام باختطاف لبنان بالكامل فإن الخاسر هو سورية، وإن تفجرت الأوضاع هناك - وهذا محتمل ومتوقع - فإن من سيدفع الثمن ويتحمل اللوم هم السوريون أيضا. ففي حال انتصر مشروع حزب الله، فإن السيطرة ستكون لطهران التي ستجني ثمار النجاح، وليس دمشق. فحينها لن يذهب أحد إلى سورية للتفاوض، بل سيذهب الجميع وقتها - نعم الجميع - للتفاوض مع إيران، بدلا من سورية. فلماذا الوسيط ما دامت طهران هي المسيطرة، وهذا ما تسعى له إيران صراحة، وتقوله بكل وضوح للغرب على خلفية تفاوضها معه حول ملفها النووي، حيث تبحث طهران عن دور إقليمي يجب أن يعترف الغرب لها به، لأنها هي من يملك مفاتيح المناطق المضطربة في المنطقة، وليس الأمر سرا على الإطلاق!

وأما في حالة فشل المشروع الإيراني في لبنان وانفجار الأوضاع هناك، وهذا المتوقع كما أسلفنا، فحينها ستتحمل دمشق تبعات ذلك أمام اللبنانيين أولا، مما يعمق الفجوة بين الجارين، كما أنه سيكون من الصعب بناء أي جدار ثقة بين السوريين والعرب، وستعود الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه. فالعرب سيتعاملون حينها مع دمشق وفق تجارب، وليس بالاستماع للوعود، والأمر نفسه سينطبق على الغرب، ناهيك عن أن النار ستطال الثوب السوري، وهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى كثير من التحليل.

فسيطرة حزب الله على لبنان ستذكي - لا محالة - الحس الطائفي، وتوقظ المارد السني الأصولي، الذي يغلي أساسا الآن في لبنان وله وجود حقيقي. وحينها لا يهم ما إذا كان حزب الله يمتلك أسلحة ثقيلة أو خفيفة يرهب بها خصومه، فمتطرف واحد حينها سيكون تأثيره تأثير مدفعية، وهو أمر رأيناه في جميع مناطق النزاع الطائفي في العالم العربي والإسلامي، ورأينا حجم ضرره.

وعليه، فإن خطورة القراءة السورية للأوضاع اليوم أنها قراءة قديمة لحالة جديدة، أو قل متطورة، وتأتي في ظل عالم تتغير ظروفه، وتتغير قواعد اللعب فيه بشكل مذهل، ومتابعة أخبار يوم واحد تغني عن الكثير من القول. فمن يتعظ؟

[email protected]