محظور في بكين

TT

بكين – اسمع.. أرجو ألا تخبر الحكومة الصينية بأنني أنشأت مدونة باللغة الصينية هنا في الصين لمناهضة الثورة من خلال مدح منشقين. وعنوان هذه المدونة هو http://blog.sina.com.cn/kisidao. والآن فلنحسب الوقت ونر إلى متى ستبقى هذه المدونة. قلبي يحدثني بأن أمن الدولة سوف «يحتويها» سريعا وتسخر بعض المواقع الإلكترونية الصينية من الأمر بإطلاق هذا المصطلح عندما تقوم الحكومة بإنهاء وجود الموقع حتى تخلق «مجتمعا متناغما».

وقد بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الصين نحو 450 مليونا وهو ما يفوق عدد المستخدمين في أي دولة أخرى. وبلغ عدد المدونات 100 مليون تقريبا. قال ليو شياوبو، الكاتب المقبوض عليه والحاصل على جائزة نوبل للسلام: «إن شبكة الإنترنت هبة الإله للصينيين» وأنا أوافقه الرأي، لكن تظل حقيقة سيطرة الطبقة العاملة الديكتاتورية على الفضاء السايبراني الصيني قائمة. في نوفمبر (تشرين الثاني) أرسلت الحكومة شابة تدعى تشينغ جيانبينغ إلى معسكر عمل إجباري لمدة عام بسبب نشر جملة ساخرة واحدة.

صحبني أولادي المراهقون في هذه الرحلة وقد اعتادوا اقتيادهم لمشاهدة مظلمة أو أخرى. لكن ما أثار سخط ابنتي أكثر هو اكتشافها أن مواقع الـ«فيس بوك» و«يوتيوب» و«تويتر» ممنوعة في الصين. لذا قررت إجراء تجربتي الأخيرة في مجال حرية شبكة الإنترنت الصينية وبدأت سلسلة من التجارب في 2003 من خلال معرفة ما يمكن أن أفعله في غرف الدردشة على شبكة الإنترنت الصينية دون عقاب. وفي تلك المرة بدأت بالمدونات والمدونات الصغيرة، التي تعد النسخة الصينية من «تويتر». لكن فيما رأيته نذير شؤم، اكتشفت أن السلطات الصينية شددت القيود المفروضة منذ تجاربي السابقة. في هذه الأيام على أي شخص يريد عمل حساب على شبكة الإنترنت أن يدخل رقم بطاقة هويته ورقم هاتفه الجوال. ويعني هذا أن السلطات يمكنها تعقب المعلقين المزعجين سريعا. لكن بمجرد أن بدأت، كان الرقباء أقل عدوانية مما توقعت وبدا أنهم يعولون على الإرهاب أكثر مما يعولون على الرقابة الفعلية، إذ لم يتم منع ما نشرت على المدونات الصغيرة عن ليو، المعارض الحبيس. تمت مراجعة مساهمة أخرى على المدونة الصغيرة عن حركة فالون غونغ المحظورة ذاتيا، لكن الرقيب أجازها. أوضح لي رقيب صيني في إحدى المرات أن أكثر الرقباء منخفضي الصوت من المهووسين بالكومبيوتر الذين يؤمنون بحرية الإنترنت ويحاولون عدم الالتزام بمسؤوليتهم تماما دون أن يتم رفضهم.

لكن تظل هناك حدود، فقد نشرت مرجعا لمذبحة تيانامين التي حدثت في 4 يونيو (حزيران) 1989، لكنها حذفت بعد نشرها بعشرين دقيقة. التحدي الذي تواجهه السلطات هو العبء الذي يحمله عمل الرقباء للشرطة، حيث لا تعمل المرشحات الذاتية كما ينبغي. فعادة ما يستخدم الصينيون عبارات كشفرة للإشارة إلى الكلمات التي يتم حذفها، فمثلا يستخدمون 2 + 2 يونيو أو 35 مايو (أيار) للإشارة إلى 4 يونيو. كذلك يمكن للصينيين التحايل على «حاجز الحماية العظيم» من خلال برامج واسعة الانتشار مثل «فريغات» أو المرور من خلال شبكة افتراضية خاصة.

ليس لدى الغالبية العظمى من الصينيين اهتمامات سياسية، فالبحث عن مواد إباحية محظورة يبدو مجزيا أكثر من تعقب بيانات سياسية عن التعددية السياسية والديمقراطية. لكن لا تزال القيود المفروضة على الإنترنت تثير استياء وسخطا عاما. ورهاني هو على إثارة الرقابة الحكومية لحنق المزيد من الشباب الصيني أكثر من رفض للتعددية السياسية والديمقراطية.

ويقول مايكل أنتي، أحد المدونين الصينيين البارزين، إن الحكومة المركزية قد تزيد من سماحها لمستخدمي الإنترنت الصينيين بانتقاد انتهاكات المجالس المحلية في الوقت الذي تحجب فيه ما يحط من قدر الحكومة المركزية. وحيث إن المجالس البلدية هي من ترتكب أسوأ انتهاكات لحقوق الإنسان، يعد هذا الإجراء خطوة متواضعة للأمام.

ويوضح كتاب «وهم شبكة الإنترنت»، الذي صدر مؤخرا لإفغيني موروزوف، أن الغربيين مأخوذون بفكرة أن الإنترنت يستطيع تحويل المجتمعات إلى النظام الديمقراطي، لكنهم لا يرون أن الحكام المستبدين يستطيعون استخدام شبكة الإنترنت في دعم أنظمتهم. لكنني مثل ليو، أرى أن الإنترنت قوة كبيرة يمكنها أن تساعد في إعادة تشكيل الصين.

بصراحة، أثمرت تجاربي نتائج مختلطة، فسرعان ما لفتت مدونتي الصغيرة الانتباه إلى حد ما بسبب توجيه من صديق صيني يتتبعه ما يزيد على مليون شخص على شبكة الإنترنت القراء إليها. وبعد ساعة من إطلاق المدونة تم «احتواؤها».

في تلك الأثناء أطلقت مدونتي الصينية المنفصلة ذات العنوان الإلكتروني المذكور آنفا. وكانت تلك المدونة لا تقل حدة عن الأخرى، حيث تضمنت تهنئة مستترة للكاتب ليو في محبسه بمناسبة عيد ميلاده. لكنني لم أروج لها، لذا لم تهتم السلطات بها أو ربما لم تلاحظها. وظلت هذه الرسالة لعدة أسابيع دون أن تحذف، لكنها على الأرجح اختفت الآن.

بالنسبة إلى الدرس المستفاد من هذه التجارب هو أن شبكة الإنترنت الصينية أكبر من أن تسيطر عليها الحكومة بشكل كامل، فالحكومة تستطيع أن تزج بأفراد إلى السجن، لكنها لا تستطيع منع ثورة المعلومات ذاتها. ربما يكون ليو في السجن حاليا، لكن حدسي ينبئني بأنه ستتم تبرئته وأن يوما ما سوف يذكر لشبكة الإنترنت مساهمته في تحويل الصين تدريجيا. فلتزدهر مليار مدونة.

* خدمة «نيويورك تايمز»