شو موفق هالزلمة؟!

TT

في السيرك السياسي اللبناني لا يوجد أدنى شك في أن وليد جنبلاط هو لاعب «الترابيز» الأمهر بامتياز. فقدرته على التقلب وإبقاء توازنه لا تزال تثير الاستعجاب والذهول (مع عدم إغفال ازدراء وسخرية الكثيرين من مواقفه أيضا). وليد جنبلاط في موقفه الأخير بخصوص اختيار رئيس الوزراء اللبناني القادم اختار بوضوح الانحياز لصالح فريق المعارضة المعروف باسم «8 آذار». وهو - بحسب المحللين السياسيين والعارفين ببواطن الأمور هناك - اختار حماية الجبل الذي تقع فيه غالبية أبناء طائفته من الدروز والمحاصرين سكانيا من الكثيرين من أتباع فريق «8 آذار» المدجج بالسلاح، ومعركة الجبل التي حدثت بينهما منذ عهد قريب لا تزال حية وحاضرة في الأذهان، وكذلك لا يزال حاضرا حجم «التهديد» الذي شعر به جنبلاط والدروز من فكرة إمكانية القضاء على الدروز والخلاص من وجودهم في لبنان بهجمة خاطفة، وهو الهم والهاجس الذي جعل وليد «بيك»، كما يلقبه مريدوه وأتباعه، «يلم عزاله من المختارة» (محل إقامته بالجبل) ويبدأ في مسلسل التذلل للحصول على الصفح العظيم من دمشق عبر سلسلة من الاعتذاريات بالفضائيات. وبعدها تمت الزيارة وتغيرت المواقف السياسية تباعا، والتي كان آخرها في مؤتمره الصحافي الخاص بإعلان موقفه من مسألة اختيار رئيس الوزراء القادم، وهو المؤتمر الذي بدأ فيه مضطربا ومتلعثما، وجهه اختلط بين الصفرة والاحمرار، جبينه يتصبب عرقا، تبدو على جسده الرعشة والقلق والخوف.

انتهى المؤتمر الصحافي الذي كان وليد جنبلاط يقرأ بيانه من ورق مكتوب كما لو كان هناك مسدس خفي مصوب إلى رأسه. وليد جنبلاط مدرك تماما أن وضع الدروز اليوم لم يعد كما كان سابقا، وكذلك قدرتهم على التأثير السياسي في القرار اللبناني، وحتى قدرتهم على التأثير الاقتصادي أو الاجتماعي، وبالتالي اضطر «البيك» أن يختار الطائفة على حساب الوطن والدروز على حساب لبنان.

«البيك» اليوم يريد أن يحسبها «صح»، فهل ما حدث في السودان قابل للتكرار؟ وهل الحالة العراقية استثنائية؟ فإذا كان الجواب بنعم عن الأولى وبلا عن الثانية، فهو حتما يريد ويفضل أن يكون ملكا على دولة لطائفته، بدلا من أن يكون خادما في دولة الطوائف، ودولة طائفته قد تمتد إلى خارج حدوده فيتسع نفوذه. أوليس هو الذي كان يصرح ويروج ويصول ويجول مرددا أننا اليوم نعيش في عصر سايكس بيكو جديد؟! وذلك في إشارة للتقسيم البريطاني الفرنسي الشهير الذي تلا سقوط الخلافة العثمانية.

وليد جنبلاط «زُج» به زجا للزعامة الدرزية بعد اغتيال والده، فهو لم يكن منتخبا ولا مختارا، ولكنها الحظوة والجاه الأرستقراطي لحكم البرجوازية في عوالم السياسة في لبنان، وقد لعب دور وشكل المتمرد دوما بارتدائه للجينز والبزة الجلد السوداء، ودائما بلا ربطة عنق (من دون الحاجة لرأي ديني أن يمنعه من ذلك)، ونشر حول نفسه هالة من التلميع المحسوب بدقة بين الكتاب والمكتبات في لبنان يستشعر به الزوار والمقيمون حين دخولهم لأي مكتبة وسؤالهم عن كتاب محدد فتأتي الإجابة «ولو هايدا وليد بيك اشتراه وأخذ كذا نسخة هدية»، وكان دوما متصدرا للمهرجانات الثقافية لتكريس تلك الصورة. إلا أن كل هذه «الهالة» لا تخفي أن البيك «حربوق» وماهر جدا في اللعب بالبيضة السياسية والحجر الطائفي بامتياز، وأن كل هذه التحركات التي يقوم بها هي لغايات ميكافللية لا حدود ولا منطق لها.

زعامة الطائفة الدرزية (كغيرها من الزعامات الطائفية السياسية في لبنان) فتحت مصراعيها لمن هب، وخصوصا لمن دب، لأن يتحدث (ويسب ويعلن) باسمها، فاهتزت الهيبة واختلطت الأوراق. المشهد الجنبلاطي الأخير هو فصل جديد من مسلسل حزين، وإذا كان هناك جماعة تسمى «8 آذار» وأخرى «14 آذار» فجنبلاط شكل مجموعة جديدة في اعتقادي اسمها مجموعة «22 كانون الثاني» وهي مجموعة مستعدة لأن تغير مواقفها وآراءها متى ما سمحت الظروف.

[email protected]