حذار!.. حذار!

TT

الشائع الآن في العراق، وخارج العراق، هو أن كل ما يجري في هذا البلد المسكين لا يعود للأميركيين، وإنما للمرجعية. بعبارة أوضح لمكتب السيستاني في النجف. يتولى الأميركيون الشؤون الاستراتيجية العليا ويتركون للعراقيين الشؤون الاقل اهمية، كاقتسام الكعكة وما يتساقط من مائدة الأميركان من فضلات، كالمناصب الوزارية والنيابية والدبلوماسية وعقود الأعمال. وعلى هذا الصعيد، راح المسؤولون العراقيون يسندون كل ما يفعلونه إلى «المرجعية». إذا عينوا قاضيا جاهلا من دون أي شهادة، قالوا هكذا طلبت المرجعية. إذا نفذوا مشروعا فاشلا ورقيعا أسندوه إليها. بالطبع لا تستطيع المرجعية أن تصدر أي أوامر أو تكذيب في مثل هذه المواضيع. المرجعية مؤسسة دينية وليست إدارية ولها سلطات قانونية أو دستورية. وهكذا راح الشطار يدعون بأي شيء: أنا من أقرباء المرجعية.. أنا مكلف بأمرها.. أنا مرشح منها.. أنا لي دلال عليها. يقول ذلك والمساكين في النجف لا يستطيعون أن يؤيدوا أو يكذبوا. ينال الرجل ما يريد.. يسرق ولا أحد يجرؤ على محاسبته.. يبرز شهادة مزورة ويقبلونها على مضض.. يخطب امرأة ويقول أنا محسوب على المرجعية فينالها بفلسين مهرا.

استغلال العلاقة من أشنع وأخطر عيوب الدول المتخلفة. ما حدث في تونس حلقة منه. وهذا ما جرى في كل مراحل الحكم في العراق.

وللحيطان آذان. هذه أمور انكشف بعضها، وسينكشف كلها، فتتحمل جيفتها المرجعية مع الأسف، مثلما ستتحمل مسؤولية كل هذا الفساد والفشل والإحباط والتخلف الذي ما زال يجتاح العراق كل هذه السنوات العجاف.. وسيحسب عليها. يظهر أن من يحملون مظلتها مستأنسون بهذه المهابة والسلطة التي لم يحلموا بها من قبل. ولا يريدون أن يفكروا في عواقب الغد. لكن فلتسمح لي بأن أجري لها هذا الحساب. لقد حظيت حتى عام 2003 باحترام عموم الشعب العراقي بكل طوائفه وقومياته بوقوفها خارج الساحة السياسية، وبالتزامها بمبدأ فصل الدين عن السياسة الذي تلتزم به سائر الدول الناضجة. هكذا حافظت على سمعتها ونقاوتها ونظافتها. فالسياسة عالم وسخ. قلما يدخله إنسان ويخرج منه نقيا من كل ملامة. وهذه السنوات العجاف من أوسخ ما مر به العراق من سنين. ولا بد أن تتوسخ المرجعية بأوساخها بزج نفسها فيها، فتفقد احترامها التقليدي بين الناس.

يا ليت الأمر ينتهي بهذا.. لكنها هيئة دينية شيعية تستمد سلطتها من الدين الإسلامي، والمذهب الشيعي. ما سيلحق بها من وساخة سيلحق بالدين الإسلامي والمذهب الشيعي. هكذا رحنا نسمع من يقولون: «هذا ما تحصلون عليه عندما تسلمون شؤونكم ليد أناس لا علم لهم أو خبرة في الحكم، وتتركون الملالي يديرون أموركم، وتنتخبون نوابكم کما يأمر السيد، ويقضي ساستكم جل وقتهم في الجري بين بغداد والنجف، وتخلطون بين السياسة والدين».

إن ما يجري في العراق سيؤثر على مستقبل الإسلام، ويهم كل المسلمين.