الرجل التفاحة!

TT

في وسط «زحمة» الأحداث العربية المتلاحقة، خبر من هنا وآخر من هناك، تقسيم هنا وانقسام هناك، مظاهرة هنا وثورة هناك، انتحار هنا وحرق للنفس هناك، وسط كل ذلك خرج خبر مهم دون أن يلقى الاهتمام والمتابعة الكافية. الخبر هو الإجازة التي أعلنت شركة «أبل» العملاقة عنها، والخاصة برئيس مجلس إدارتها ستيف جوبز، وأنه مضطر لترك العمل لفترة مفتوحة لأسباب صحية. الخبر المرسل عن طريق البريد الإلكتروني وبشكل مقتضب لم يبين أي قدر من المعلومات التوضيحية عن طبيعة العارض الصحي الذي أصابه ولا مدة الإجازة أو مكانها، والخبر يأتي بخصوص إحدى الشركات الموجودة والمؤثرة في العالم، «أبل» اليوم، وها هي تسهم بشكل فعلي ومباشر في توجيه وصناعة ثورة تقنية الاتصالات.

ستيف جوبز في نظري الشخصي هو أحد أهم الشخصيات المؤثرة بحق، في العالم اليوم، (دون أن تتولى شركات العلاقات العامة إبراز اسمه على قوائم مضحكة!). ستيف جوبز (من أب سوري حمصي) سلمه للتبني لأسرة ربته ورعته، فكان هذا أول موقف رفض وفشل في حياته، وتلاه بعد ذلك موقف آخر جوهري، حين طرد من جامعة ستانفورد، فشارك صديقه وبنيا حاسبا آليا في مرآب منزله، ليكون أول منتج آلي باسم «أبل» وكانت نقلة نوعية في سهولة استخدام الحاسب الآلي وتبسيط وسائل التحكم والأوامر، والرفض الثالث كان حينما طرده مجلس إدارته من الشركة التي أسسها، بحجة عدم الكفاءة، مما اضطره للبدء من الصفر مجددا، فأسس شركتي «نكست» و«بيكسار»، والثانية طورت أسلوب صناعة أفلام الرسوم المتحركة وقدمت تقنية جديدة غير مسبوقة ومبهرة.

وعاد ستيف جوبز لرئاسة شركته وحبه القديم «أبل»، ليعيد هندسة شركته وتقسيمها إلى ثلاثة أجزاء؛ الأولى: التقنية، وهي معنية بصناعة أجهزة الكومبيوتر الثابتة والمحمولة، والثانية: الترفيه والمعني هنا هو ما قدمته «أبل» من أجهزة ترفيه سابقة لوقتها مثل الـ«آي بود»، التي تخزن الأغاني والأفلام والمسلسلات بطريقة شخصية من محلها الافتراضي على شبكة الإنترنت والمعروف باسم الـ«آي تيونز»، الذي جاء بعده محل افتراضي آخر باسم «آبل تي في» مقدما خيارات مبهرة وفورية. أما الجزء الثالث من الشركة والتخصص الناجح هو الاتصالات، والمعروف بمنتجها الـ«آي فون» بأنواعه المختلفة.

اليوم تستعد الشركة لإطلاق النسخة الخامسة من هذا المنتج المبهر، والنسخة المنتظرة هذه ستكون تحديا خطيرا لشركات الاتصالات، لأن الجهاز سيكون مصحوبا بشريحة تتخطى مقدمي خدمة الاتصالات (هذه المعلومة أولية، سربتها بعض المقالات عن الجهاز الجديد)، و«أبل» اليوم تعيد هندسة وظيفة التقنية والاتصالات والترفيه في حياة الناس وتجعل إمكانية وصولها لأكبر شريحة ممكنة من الناس مسألة حقيقية وممكنة جدا. ولهذا أصبحت شركة «أبل» ثاني أكبر شركة من حجم رأس المال في سوق الأسهم الأميركية بعد شركة «أكسون موبيل» النفطية، وهي بذلك تتخطى شركات عملاقة مثل «جنرال موتورز» و«جنرال إلكتريك» وغيرهما. وهذا نتاج عبقرية الفذ ستيف جوبز صاحب الكنزة السوداء والجينز الأزرق والحذاء الرياضي، وهو الزي الذي لا يحيد عنه بهدوئه الشديد ودقته في التفاصيل ونظارته الشبيهة بنظارة المهاتما غاندي والموسيقي الستيني جون لينون.

ستيف جوبز أهم رجل أعمال في النصف الثاني من القرن الماضي، حتى بيل غيتس وبرنامجه الشهير ويندوز كان «مقتبسا» من نظام التشغيل «أبل»! إنه رجل مبهر!

[email protected]