هل خان عباس القضية؟

TT

قبل الشروع في التفاصيل، فإن الإجابة عن السؤال أعلاه هي: لا! فيبدو أن البعض يحاول اليوم إقناع الفلسطينيين، والعرب، بأن محمود عباس ورفاقه قد باعوا القضية الفلسطينية، وذلك من خلال هوجة الوثائق.

فما يسمى بالوثائق الفلسطينية جله ليس بجديد، وخصوصا على العرب، وكثير من المسؤولين يقولون نعم نعرف ذلك، وهذه تفاصيل مفاوضات، وليست اتفاقات، وتمت آخر عهد بوش الابن. لكن لا بد من التنبه هنا إلى أنه عندما يذهب المفاوض للمفاوضات، أي مفاوض وأي مفاوضات، فهو يمر على حزمة من الأفكار، اتساقا وتناقضا، وأحيانا حتى على طريقة مروحية الهليكوبتر، حيث لا تعلم هل هي تدور باتجاه اليمين أو اليسار. فالمهم دائما هو التوقيع النهائي، ناهيك عن أن هناك منطقا يحكم كلا المتفاوضين وإن شطحا بمطالبهما، فهناك وقائع، تاريخية أو دينية، أو على الأرض لا يمكن تجاهلها.

لو جاءت هذه الوثائق وأبو مازن ورفاقه يجلسون على طاولة المفاوضات وجها لوجه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لقلنا: ربما تستحق هذا الهيجان العربي. أما أن تأتي في الوقت الذي يرفض فيه الرئيس الفلسطيني التفاوض مع إسرائيل بسبب عمليات الاستيطان، فهذا أمر محير، فكيف نتهم عباس ورجاله بأنهم باعوا القضية أو قدموا تنازلات كبرى، في وقت انتقدتهم فيه شريحة عريضة، ونحن منهم، على رفضهم العودة للمفاوضات بحجة وقف الاستيطان! فكيف لمن ينوي بيع القدس أن يعارك على وقف الاستيطان؟ حقا إنها مزايدة لا تساوي حتى الوقت المهدر في مناقشتها.

وعندما نقول ذلك فليس استخفافا، بل استهجانا لمحاولة تدمير السلطة الفلسطينية في الوقت الذي نشهدها تنتزع فيه الاعتراف تلو الآخر بالدولة الفلسطينية من دول أميركا الجنوبية، وكان آخرها أول من أمس البيرو التي قالت «نعترف بدولة فلسطينية حرة وسيدة». وبالأمس هاجت إسرائيل وماجت عندما قررت آيرلندا رفع التمثيل الفلسطيني في دبلن إلى مستوى بعثة، على غرار أميركا وفرنسا، وما زالت بريطانيا تنظر في نفس الأمر.

وعليه، فإن السؤال الذي يجب أن يطرح اليوم هو ليس كما أوردنا في العنوان: هل عباس خائن؟ بل السؤال المستحق هو: من المستفيد من طرح أوراق مفاوضات غير ملزمة، ولم يوقع عليها أحد الآن في هذا التوقيت؟ هذا هو السؤال، فكل المؤشرات تقول إن المستفيد الوحيد هو إسرائيل. أما بالنسبة للانتقادات التي تقودها اليوم حماس، فما هي إلا عبث تعودناه، ومماحكة. فإذا كانت تفاصيل وردت في تفاوض تبرر الغضب على السلطة أو الطعن في الرئيس الفلسطيني، فماذا نقول عن حماس التي عرضت هدنة إلى أجل محدد على إسرائيل. وهذا يعني أن الحركة الإخوانية تريد تأجير القدس لإسرائيل لمدة من الزمان؟

المؤسف أنه، وطوال ستين عاما، أقـــل أو أكثر، من عمر الصراع العربي - الإسرائيلي، ما زالت القضية الفلسطينية تستخدم سلاحا لتصفية الخلافات العربية - العربية. ولسنا حالمين بنضج العلاقات العربية - العربية قريبا، لكن المحزن أن أساليب المناكفة العربية - العربية لا تتطور، وإنما مستمرة بالانحدار.