إعلام رديء

TT

إنها أيام رديئة تلك التي يعيشها لبنان..

ما يحدث ينذر بشرور توشك أن تمزق البلد إن لم تكن قد مزقته فعلا، واللبنانيون يجدون أنفسهم أمام طموحين يستحيل أن يتلاقيا، ليس في المدى المنظور على الأقل.

شهد لبنان خلال الأيام الماضية لحظات من غياب العقل واستحواذ الغرائز على الصورة.

حزب الله يزيد من إحكام سيطرته على لبنان ويستفز مكونات أساسية فيه عبر إصراره على رسم سياسة البلد وتغيير مساره وفق مصلحته ومن يقف خلفه في سورية وإيران. لهذا الحزب حسابات إقليمية ودولية لا طاقة لدولة طبيعية على احتمالها. الدولة التي عليها أن تسير شؤون الناس وترعى مصالحهم وتضمن حرياتهم الخاصة والعامة وتؤمن للبلد موقعا في الخارطة الدولية والإقليمية ليست هي ما يطمح إليه حزب الله الذي تمكن، على ما يبدو، من فرض سيطرة مطلقة على الدولة اللبنانية بعد أن أسقط الحكومة وفرض رئيسا جديدا لمجلس الوزراء تحت شعار إجهاض المحكمة الدولية ودعم سورية والمقاومة.

أيقظ إفراط حزب الله في استخدام القوة والترهيب شرورا كامنة في النسيج اللبناني رأينا نماذج منها في احتجاجات «يوم الغضب» الثلاثاء الفائت، فأُحرقت إطارات وقُطعت طرقات وتم الاعتداء على صحافيين وصحافيات وجرى تخريب وتكسير وحرق مباشرة أمام الشاشات وعلى مرأى من أعين العالم..

لقد نجح حزب الله في تكريس نماذج عنفية في التعبير والاحتجاج في الشارع وفي السياسة وفي الإعلام، فبات الطرف المقابل الواقع تحت وطأة الغبن السياسي والأمني يتحين اللحظة المناسبة للتنفيس والرد بالأسلوب نفسه حين تتاح له الفرصة، وهذا ما حدث قبل أيام..

لقد فرض الواقع السياسي نفسه على الإعلام اللبناني بقوة، فهذا الإعلام طرف في الانقسام وواجهة متقدمة له بل وتُفرض عليه أدوار لرسم مواقع معينة في المعادلة السياسية وفي محاولات المجابهة والتجييش.

أفضل الصحافيين والإعلاميين عادة هم أولئك الذين يحاولون قدر المستطاع تخليص ما يقولون ويكتبون من التحيز وأن يكونوا عادلين مع كل الأطراف على الأقل في نقل الأخبار وتغطيتها وترك حيز الرأي حيث يصح أن يقال.

قد يعتقد الصحافي أو الصحافية، وعن حق، أن المعلومات المجردة من الرأي هي حق عام وبالتالي تساعد العامة وصناع القرار على اتخاذ قرارات سليمة خصوصا في حال الاضطرابات الاجتماعية والعنف.

هذه المعادلة تعاني ضعفا متماديا في لبنان. فخلال الأيام الماضية استُهدف صحافيون ووسائل إعلام من قبل محتجين وغاضبين. وفي مراحل سابقة استُهدف أيضا صحافيون ووسائل إعلام.

مجددا يطرح علينا السابع من أيار كأسلوب تعبير عنفي يتكرر اعتماده في السياسة وفي الشارع.

الصحافي في لبنان هو أمام خيارين: إما الانجراف الكامل خلف الفريق السياسي الداعم لصحيفته أو وسيلته الإعلامية والتماهي إلى حد الذوبان معه وإما الانكفاء والانسحاب.

إنها واحدة من تلك اللحظات التي يضيع فيها العقل وتتصدر الغرائز والانفعالات المشهد العام، وليس حرق سيارات وسائل إعلام والاعتداء على صحافيين جسديا أو كلاميا سوى واحد من مظاهر التمترس البغيض الذي يسود لبنان حاليا.

diana@ asharqalawsat.com