لم يفاجئنا تقرير تيركل.. بل الموقف الأميركي

TT

حرب التقارير بين أنقرة وتل أبيب حول الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في عرض المتوسط، ستزيد حتما من تشنج وتأزم العلاقات بين الجانبين، التي هي متدهورة أصلا، لكن الدخول الأميركي على خط المواجهة لصالح حكومة نتنياهو بوقوفها إلى جانبها بشكل علني واضح لا يحتاج إلى نقاش، وحمل معه جملة من التساؤلات والاستفسارات حول سلوك إدارة البيت الأبيض هذا وأسبابه وملابساته.

فرغم تعهدات متبادلة قدمها الطرفان حول الالتزام بعدم نشر أي معلومات حول تقاريرهما الداخلية حيال الحادث وانتظار تقرير جيفري بالمر ولجنته الأممية، سارعت إسرائيل في أواخر الأسبوع الماضي للإخلال بوعودها من خلال نشر وتوزيع مضمون تقرير لجنة تيركل الذي أعطاها الحق ليس فقط بمهاجمة الأسطول، بل بمحاصرة غزة وبأنها فعلت كل ذلك باسم القانون الدولي ومستلزماته. أنقرة سارعت للرد بنشر تفاصيل تقريرها الوطني الذي أعدته هي الأخرى ويحمل إسرائيل وجنودها المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة ويذكرها بالمطالب التركية المعروفة إذا ما كانت تطمح في إعادة المياه إلى مجاريها في علاقاتها مع تركيا.

إلى هنا ونحن نرى أن لا جديد تحت الشمس ولا مفاجآت كبيرة تحدث في مسار العلاقات التركية - الإسرائيلية التي توترت منذ أكثر من 4 أعوام وكانت حادثة «مافي مرمرة» الضربة الأقوى فيها، حيث راهنا دائما على دخول أميركا في اللحظة المناسبة على الخط لإنهاء هذا التوتر بين شريكين إقليميين لها في الشرق الأوسط. وبالفعل حدث المتوقع حين كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن لقاءات علنية وسرية جرت في أكثر من مكان بين الأتراك والإسرائيليين وعاد السفير التركي وممثل بلاده في لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الهجوم أوزلام صانبرك لتأكيده هو الآخر قبل أيام، بهدف حسم هذه الخلافات بين بلدين قطعا مراحل كبيرة على طريق التعاون والتنسيق العسكري والأمني والتجاري كما قال. لكن تعنت الطرفين بمواقفهما ومطالبهما أفشل كل هذه المحاولات التي قادتها وشجعت عليها الإدارة الأميركية مباشرة.

الصدمة التي تلقتها أنقرة جاءت بعد ساعات فقط من انتقاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للتقرير الإسرائيلي ووصفه له بأنه لا يحمل أي مصداقية وأنه جاء بمثابة «طلبية» أرادتها حكومة نتنياهو من اللجنة، عندما تحركت إدارة البيت الأبيض للترحيب بالمعلومات الإسرائيلية، قائلة إنها تتسم بالشفافية والحيادية والثقة وكما جاء على لسان فيليب كراولي، الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية، الذي أكد أن التقرير الإسرائيلي سينعكس إيجابيا على التحقيق الذي تقوده الأمانة العامة للأمم المتحدة.

ما الذي يعنيه الوقوف الأميركي العلني إلى جانب تل أبيب على هذا النحو في مواجهتها مع أنقرة؟

واشنطن التي عارضت تقرير لجنة حقوق الإنسان الدولية الأخير - الذي أدان إسرائيل بسبب عدوانها هذا - والتي رحبت بالتقرير الإسرائيلي ومضمونه، رغم معرفتها بأنه إخلال بالتعهد الإسرائيلي في انتظار التقرير الأممي الذي يبدو أنه لن يعجبها أيضا، والتي امتنعت قبل أشهر عن المشاركة في مناورات نسر الأناضول بسبب استبعاد إسرائيل عنها، قررت (أي واشنطن) على ما يبدو، التخلي عن حيادها في أزمة الحليفين وتبني وجهة النظر الإسرائيلية، ردا على المواقف والسياسات التركية الإقليمية التي تعارضت بشكل أو بآخر مع السياسات الأميركية ومع مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط. لا استغراب أيضا إذا ما بدأت إدارة الرئيس أوباما بالضرب على الأوتار الحساسة التي تقلق تركيا في الداخل والخارج وفي مقدمتها الموضوع الكردي والمسألة الأرمنية والقضية القبرصية ربما لموازنتها بالتجاهل التركي لمصالحها في لبنان ورفض أنقرة التنسيق في مسائل تعنيها كملف إيران النووي والعلاقات مع سورية وحماس وحزب الله وهي قضايا لا حاجة هنا للتذكير بأن البيت الأبيض يضعها في مقدمة الخطوط الحمراء لاستراتيجياته وحساباته الإقليمية.

كنا قبل أسابيع نراهن على أن تلعب الطائرات التركية المتوجهة إلى إسرائيل لإخماد حرائقها دورا في تبريد أجواء التوتر والسخونة السياسية بين الطرفين، لكن يبدو أن الطائرات التركية عليها الاستعداد لقطع الطريق الطويل بين أنقرة وواشنطن وأكثر من مرة لتبريد الأجواء المتوترة بينهما قبل الحديث عن محاولات إنقاذ العلاقات التركية - الإسرائيلية.

ربما تصريحات نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي داني دانون الأخيرة حول أنه إذا لم تبادر أنقرة بالاعتذار من تل أبيب، فإن إسرائيل هي التي ستقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تركيا، تأتي بمثابة التتويج للجهود الإسرائيلية التي نجحت في كسب واشنطن إلى جانبها ودفعها للمجاهرة في مواقفها هذه التي قد يكون لها علاقة بشكل أو بآخر بموضوع الانتخابات النيابية التي يقترب موعدها في تركيا.