ماذا في انتظار تونس؟

TT

تدخل ثورة تونس أسبوعها الثاني منذ رحيل زين العابدين بن علي، لكن أصبح الغموض يخيم على توجهها. هل ستبقى حكومة محمد الغنوشي في السلطة؟ أم أنها ستتحول لحلقة قصيرة الأجل في مسلسل انهيار النظام القديم؟

تعكس حالة الشك وانعدام الثقة السائدة الآن حقيقة أن الثورة هي نتاج مجهود شعبي بحق. لقد اتفق التونسيون على ضرورة رحيل بن علي، لكن لم تظهر قوة معارضة واضحة الملامح لتطرح مطالب أساسية وتقود سير الأحداث.

بدلا من ذلك، ظهرت مساحة من الخواء سارع تكنوقراط من النظام القديم لملئها بتشكيل حكومة وعرض قراءتهم للأحداث. وقد سارعوا بالاعتراف بأن حكم بن علي افتقر إلى الديمقراطية، لكنهم يلمحون لإمكانية تغيير ذلك وأنهم أفضل العناصر المؤهلة لتحقيق هذا التغيير.

في المقابل، يرى المتظاهرون والنقابات وأعضاء المعارضة الأوضاع على نحو مختلف، إذ يرون أن الدولة تنطوي على قصور بالغ بعد عقود من الحكم الاستبدادي مما يفرض الحاجة لتفكيكها وإعادة بنائها بدلا من إصلاحها، لكن ليس من قبل الأفراد الذين قوضوها وأساءوا استغلالها في البداية. إلا أن رسالتهم غير مطروحة بصوت مرتفع ولا بشكل واضح، حيث تذبذبت مواقف النقابات العمالية بموافقتها في البداية بالمشاركة بتمثيل في الحكومة، ثم سحبها لوزرائها لاحقا. وحتى الآن، لم تطرح قائمة بمطالب متفق عليها على نطاق واسع بحيث تعمل كخارطة طريق حتى عقد الانتخابات ولما بعدها. وبالتالي، تبدو العديد من قوى المعارضة وكأنها فقدت البوصلة التي توجهها، بل وربما انقسمت على نفسها. في الوقت الذي سيسعد غالبية التونسيين بمحو النظام القديم، فإنهم يخشون أيضا من أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة.

وتسبب غياب قوة الدافع عن قوى المعارضة في إلحاق الضعف بعزيمة حركة المظاهرات، ففي الوقت الذي يطالبون فيه بعقد انتخابات رئاسية وبرلمانية ديمقراطية، لم يحدد أحد معالم الطريق للوصول لهذا الهدف. وتقف تحديات جسام في طريق تفكيك الهيكل الدستوري للبلاد يتعين تناولها للحيلولة دون جموح البلاد نحو الفوضى.

الأهم من ذلك، أن قضية «البيضة والدجاجة» المتعلقة بالفترة الانتقالية يتعين تسويتها، وإيجاد إجابة عن تساؤل ما إذا كان ينبغي خلق إطار لانتخابات ديمقراطية حقيقية أولا، أم عقد الانتخابات سريعا، حتى لو لم تكن القوانين الحالية بالبلاد مناسبة لضمان ذلك؟ تكمن المخاطرة المتعلقة بالمسار الأول في أن المعارضة قد تفقد الزخم وتمنح البرلمان القديم ومؤسسات أخرى دورا كبيرا في المرحلة الانتقالية. أما المخاطرة المرتبطة بالمسار البديل فتتمثل في تقويض الانتخابات بسبب وجود إطار عمل غير ديمقراطي.

كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار الإطار التونسي المحدد، فقد كان لدى البولنديين؛ ليخ فاونسا وحركة التضامن، وكان لدى جنوب أفريقيا؛ نيلسون مانديلا والمؤتمر الوطني الأفريقي. لكن المعارضة التونسية تفتقر إلى أي سياسي أو حزب رائد. وربما يكون ذلك أحد الأسباب وراء تركز أنظارها على عقد الانتخابات في إطار زمني يبلغ ستة شهور، وليس ستة أسابيع. إن المعارضة بحاجة للتواصل مع الناخبين.

وتتمثل صعوبة أخرى بالتوقيت، فطبقا للدستور ينبغي عقد انتخابات رئاسية بحلول 15 مارس (آذار). حال تجاهل الدستور، ربما يوحي ذلك بتجاهل إطار العمل القانوني الأمر الذي يخلق فراغا قانونيا وسياسيا. فكما أن المرأة لا يمكن أن تكون حاملا بشكل جزئي، كذلك لا يمكن تجاهل دستور بشكل جزئي. وللأسف، فإن الدستور ينص على عدم جواز تعديل الدستور خلال الفترة الانتقالية، رغم تضمنه بندا يجيز إرجاء عقد الانتخابات حال وجود «خطر وشيك».

وأخيرا، نجد أن حركة المعارضة لم تعلن الكثير عن تعاقب خطوات الانتخابات، فحتى لو تم تجاوز الدستور، يقتضي المنطق عقد انتخابات رئاسية أولا، والتي يمكن تنظيمها بسهولة أكبر. بعد ذلك، سيوفر الرئيس المنتخب ديمقراطيا الشرعية المطلوبة لتحقيق استقرار بالفترة الانتقالية وتعزيزها. لكن هذا السيناريو يحمل مخاطرة إمكانية أن يقدم الرئيس الجديد باعتباره الشخص الوحيد في البلاد المنتخب على نحو شرعي على التحول إلى ديكتاتور جديد.

حتى الآن، لا تتوافر أجوبة واضحة عن هذه التساؤلات العسيرة، لكن على قوى المعارضة الواضحة تناول هذه التساؤلات سريعا، وإلا فستقدم عناصر أخرى على ملء المساحة السياسية الخاوية. كما ينطوي الفراغ السياسي على مخاطرة دفع الجيش نحو التحرك. حال عدم توجيه قوة الحركة الشعبية باتجاه التفاوض السياسي، فإن طابعها الواسع ربما يتحول لنقطة سلبية. وقد آن الأوان كي تتوصل قوى المعارضة لإجماع حول مطالبها وطرحها بصوت عال وواضح.

* مديران لدى «ديموكراسي ريبورتنغ إنترناشونال» وهي منظمة غير حكومية مقرها برلين تناصر المشاركة السياسية.

* خدمة «نيويورك تايمز»