من يحكم «المثلث السني» في العراق؟

TT

لفت الانتباه تقرير لـ«الشرق الأوسط» في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي حول الوضع الأمني المتدهور للموصل، لخلوه من اسم المراسل وإيراده لآراء مسؤول تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في الموصل بشأنه، بدل التوجه إلى مجلس المحافظة أو المسؤولين الأمنيين، على الرغم من جرأة تلك الآراء وصوابها النسبيين باختراق البعثيين للأجهزة الأمنية وكون الموصل معقلا لهم لعقود، وأنهم و«القاعدة» و(دول) جوار الموصل يقفون وراء ذلك التدهور، والمقصود بالدول هي سورية المجاورة الوحيدة للموصل، والعمق الاستراتيجي للبعثيين، والمتهمة بتصدير الإرهاب إليها، حسب مسؤولين عراقيين، وتزامنت آراؤه مع إعلان 5 منظمات بعثية في سورية رغبتها بالمشاركة في العملية السياسية في العراق. والذي زين لها كما يبدو احتلال البعثيين السابقين لمساحة واسعة في حكومة المالكي، ما يتيح لهم توطيد أقدامهم وتصفية خصومهم في الموصل، وما اصطلح على تسميته بالمثلث السني، والبقية تأتي، كالحرب المحتملة ضد إيران التي تنعش آمال البعثيين بالعودة إلى الحكم.

في رأيي إن تحاشي المراسل لاسمه مبعثه تجنب انتقام من البعثيين، كما أن عدم توجهه إلى المسؤولين الحكوميين لإدراكه أنهم لن يصرحوا ضد البعثيين للباعث نفسه، ناهيكم عن أن معظمهم، إن لم نقل جميعهم، بعثيون سابقون لا يعقل أن تكون علاقاتهم بالبعث مقطوعة، والقول بتحكم البعثيين في الموصل، على صعيدي الشارع والحكومة المحلية يبقى ناقصا، لأنهم منذ الستينات يحكمونها على الصعيدين المذكورين، وتحديدا منذ عام 1960 الذي انتصروا فيه على الشيوعيين وقتلوا المئات منهم أمام أنظار الشرطة المحلية التي بلغ ولاؤها للبعث حد اعتقال أقرباء الشيوعيين المجني عليهم!. وإلى يومنا لا يمكن لأي مسؤول حكومي أداء مهامه بمعزل عن إطاعة البعث، وبعكسه سيدفع حياته ثمنا على الخروج عليه، كما دفع بعضهم الثمن، سيما بعد الفترة التي تلت 2003، وحتى من دون البعث فإن المكون السني يرفض حكم الشيعة.

لا يمكن للجريمة السياسية المنظمة في مدينة ما أن تستقيم ما لم تكن محمية من المسؤولين الحكوميين، وساعد عدم حل جهاز الشرطة البعثي السابق، البعثيين على مواصلة نشاطهم، هنا قد يواجهني بعضهم بحوادث اغتيالات طالت أعضاء القائمة العراقية في الموصل، على هؤلاء أن يفتشوا عن المخابرات الإيرانية، فلفرق الاغتيالات هوياتها المتعددة.

ما يصح على الموصل ينسحب بدرجات على الأقسام العربية في ذلك المثلث، وكان طبيعيا جراء الصراع الطائفي والإثني المتفاقم، أن يهيمن البعث على ذلك المثلث، لانتظام السنة فيه، أسوة بهيمنة الأحزاب الشيعية على الجنوب الشيعي، والكردية على الشمال الكردي، وبعد مغادرة الأسر الشيعية والكردية لذلك المثلث فإن الاصطفاف الطائفي والإثني غدا أكثر حدة، والذي عمقه اجتثاث البعث المتقاطع مع حرية المعتقد، كون الحزب نصف العقيدة كما يقال، دع تعارضه مع العفو، وبرفع الاجتثاث عن ثلاثة من غلاة البعث السابقين دون شمول البعثيين الآخرين من المجتثين، فإن الحكومة راحت تواجه موقفا محرجا يرغمها على التنازل أكثر أمام البعثيين، ولكن كان القادة الكرد أذكياء يوم عفوا عن أنصار النظام السابق وأفسحوا أمامهم المجال لأداء دورهم في الحياة الجديدة بكردستان، والذي كان أحد أسباب تقدم الأخيرة وبسط الأمن فيها.

على الحكومة العراقية العاجزة عن فرض نفوذها على المثلث السني لكي يزال النقص من عفوها، ليس رفع الاجتثاث عن البعثيين بل السماح لحزبهم بمزاولة نشاطه، مثلما سمحت الحكومات التي قامت على أنقاض الشيوعية بالحرية للأحزاب الشيوعية التي لم تكن بأقل سوءا ووحشية من البعثيين، ولتعلم أن للأكثرية حق حكم نفسها فقط وليس الآخرين.

وعلى البعثيين من جانبهم استيعاب التطورات الحاصلة في العراق والعالم، والقبول بحكم المثلث السني بعد إجراء انتخابات ديمقراطية على غرار ما جرى في كردستان، ومن أجل إقامة إقليم فيدرالي لمكونهم السني، وليس التطلع إلى حكم العراق كله، وادعائهم الخطأ بأنهم ممثلو الشعوب العراقية الوحيدون، فالممثل الوحيد للشعب لم يعد نظرية مقبولة سواء على مستوى العراق أو المكون الاجتماعي الواحد فيه أيضا، وإذا أصروا على نهجهم السابق فسيفقدون الاثنين، العراق والمثلث، وألا يعلقوا الأماني في استغلال التشكيلة الحكومية الشاذة والهزيلة ببغداد للعودة كرة ثالثة إلى السلطة، وخلاف ذلك فإن العراق يخطو سريعا نحو التمزق والتفتيت، ويتقاسم المسؤولية في ذلك بدرجة رئيسية المالكي وعلاوي.

* كاتب كردي عراقي