ثورة الياسمين وثورة الزعفران

TT

قبل سنتين، حينما زأر الشارع الإيراني في وجه محمود أحمدي نجاد واتهمه باغتصاب حق الرئاسة بتزوير الانتخابات وتهديد الناس أو شراء أصواتهم، لم تكن هذه الغضبة دفاعا عن الديمقراطية أو حق تقرير المصير أو الصوت الحر، حتى وإن كانت هذه الديباجة الناعمة ذات النكهة الأميركية هي التي تتصدر تصريحات رموز المعارضة.

رفض الإيرانيين لأحمدي نجاد كان بسبب رفضهم أن يقتص من رغيفهم ليطعم أبناءه بالتبني في لبنان وغزة واليمن والخليج، الأمر الذي أورثهم الجوع وجعل نصفهم يحيون تحت خط الفقر رغم مداخيل دولتهم الهائلة. كما أن إصراره بديماغوجية حمقاء على الوقوف في وجه العالم الغربي من خلال مشروع تخصيب اليورانيوم أخلف عليهم عقوبات اقتصادية جاءت على ما تبقى لديهم من حول وقوة صبر. مهما جندت الولايات المتحدة من قوة وعتاد لإحداث هذه النتيجة في إيران فلن تستطيع تحقيقها، حتى بالضربة العسكرية، لأن التهديد الذي ينشأ وينمو داخل الدولة، من أبنائها، هو بالجدية والقوة بحيث يصيب رئيس الدولة بالأرق المزمن كما حصل مع نجاد، أو بالهلع كما حصل مع زين العابدين بن علي. كلنا يعلم أن إيران سيسعدها أن لا تبقى وحيدة في مشاهد المظاهرات والاحتجاجات والغضب الشعبي، لذلك لن تتوانى في النفخ في نار الثورات التي انتقلت في عدواها من خط العرض 35، في إيران، إلى نفس النقطة في تونس.

هناك احتقان شعبي في معظم الدول العربية بسبب أنظمة الحكم فيها، ولكن هذا الاحتقان ليس قابلا للانفجار السريع بأسباب سياسية. فالناس قد تعيش عقودا طويلة ناقمين على نظامهم السياسي، مورثين غضبهم لأبنائهم وأحفادهم، دون أن يرتفع صوت واحد في الشارع، غالبا بسبب الخوف وغياب الدعم الشعبي وقت الزحف. ولكن التوانسة، ضاقوا ذرعا بالفساد المالي، وسلطة الحاكم في التهام خيرات البلد رغم محدودية مصادر الدخل، وهم يعيشون في واقع تداعيات الأزمة المالية وارتفاع البطالة، فاجتمع ماء احتقانهم من النظام الحاكم مع ماء الحاجة المالية، على أمر قد قدر. ربما كان التوانسة سيصبرون على حكم بن علي وتضييقه عليهم، وتستحي عيونهم، لو أطعم أفواههم، ولكنه لم يفعل. فقد يُحكم المغبون، ولكن من الصعوبة أن يُحكم الجائع.

ومن جهة ثانية، صحيح أن ثورة تونس أصبحت سابقة، ومنحت الشرعية لقيام ثورات مشابهة في شكلها في دول أخرى، ولكن من الأهمية أن نقدّر الفرق الكبير بين صيحات المحتجين في السويس وبين صيحاتهم في سوسة.

ثورة الشارع المصري لن تكون نقية مهما قيل عن صدق احتجاج الثائرين وصعوبة لقمة العيش وعدد العاطلين عن العمل، لأن التركيبة الثقافية والسياسية للمجتمع المصري تختلف. وجود الإخوان المسلمين أكبر ملوث لنظافة الاحتجاجات، وسيؤدون في هذه الفترة العصيبة دور البكتيريا الانتهازية التي تهجم وقت انخفاض مناعة الجسم، ليس نصرة منها للجياع والعاطلين، بل لأن الحزب صاحب أجندة قديمة وأطماع في الهيمنة بتولي سدة الحكم، فهم المعارضة المنبوذة التي لم تستطع أن تحيا حتى اليوم إلا بسبب تمسكها بخطابها الديني الخاص الذي أكسبها تعاطف شريحة واسعة من المجتمع المصري. إضافة إلى وجود خلايا حزب الله المخربة التي سبق لها محاولة زعزعة الأمن الداخلي المصري وتم القبض على بعض عناصرها. وربما لو علم منفذو جريمة كنيسة القديسين بما سيحصل، لما ارتكبوا فعلتهم حينها، ولأرجأوا نشاطهم حتى يثور الشارع المصري، على الأقل حتى لا تُتهم «القاعدة» أو حماس وبالتالي إيران بأنها هي التي تنفخ في كير ثورة السويس.

مشكلة احتجاجات مصر أن صورة الغضب الشعبي مخدوشة، وصدقها مطعون فيه، وهذه النقطة الوحيدة والمهمة التي تسجل لصالح نظام الحكم فيها. لذلك نفهم لماذا بادر الرئيس الإيراني باتهام الغرب بأنه هو من تسبب بإثارة الإيرانيين بعد الانتخابات الرئاسية، ليخلق ذريعة تحفظ ماء وجهه أمام العالم، لأنه يعلم أن ثورة المحكومين فيها انتقاص من شرعية الحاكم، ورغم كذب الادعاء الإيراني وصدق الحالة المصرية إلا أن القاسم المشترك الحقيقي في الحالتين هو صيحات الجياع.

ما يحصل في مصر ليست ثورة الفل، أسوة بثورة الياسمين في تونس، بل هي ثورة الزعفران الإيراني الذي تصطبغ به نوايا المحتجين.

* أكاديمية سعودية

جامعة الملك سعود