لا جديد في هذا الجديد

TT

كشفت الوثائق الفلسطينية التي بثتها محطة الجزيرة ما ذكرته في كتابي Whither Israel اثناء تتبع سيناريو مسلسل المفاوضات العربية - الاسرائيلية واتيت على سائر حلقاته التي مثلت هذه الملحمة وكيف ان العرب طرحوا سرا في عدة مناسبات العيش بسلام مع الدولة اليهودية ونسفها قادة الصهيونية من أمثال غولدا مئير وبن غوريون وبيغن ونتنياهو.

سألت مؤخرا صديقا إسرائيليا طيبا، ما الذي يريده الإسرائيليون حقا؟ قال: أصارحك القول، تؤمن الأكثرية الساحقة بعدم إمكانية التعايش مع العرب وبضرورة إخراجهم من الأرض وضم كل أراضي فلسطين لإسرائيل. يعتبرونها مسألة وقت.

لم توجد فئة في التاريخ تميزت بالصبر كاليهود. وبصبرهم وجلادتهم عبر نحو قرن ونصف حصلوا ما حصلوا عليه الآن في فلسطين. وسيصبرون وينتظرون حتى يحققوا ما قاله صاحبي هذا. ينتظرون حتى تأتي ظروف مشابهة لظروف 1948 و1967 ليخرجوا ما بقي من الفلسطينيين بحيث لا يبقى منهم غير فئة فولكلورية صغيرة يتفرج عليها السياح. بالطبع سيثور الرأي العام العالمي وتحتج الدول وتصدر الأمم المتحدة قرارات بعودة اللاجئين تضاف إلى تلك الكومة من القرارات المكدسة على الرف. سيشجب ساسة الغرب ما جرى ولكنهم في قرارة أنفسهم سيقولون، الحمد لله. خلصنا الآن من هذه القضية التي أزعجتنا كل هذه السنين. وربما يقول ساسة العرب أيضا ذلك ويتبرعون بعدة ملايين للاجئين الجدد.

بالطبع تساعد على تحقق هذه السيناريو حماس وكل الفئات الفلسطينية المؤمنة بتحرير كامل التراب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية وترمي بالمفرقعات على إسرائيل أو تنغص عيشها بالعمليات الانتحارية. وهي تساعد على ذلك بتعميق مشاعر الإسرائيليين باستحالة التعايش مع العرب وحملهم بعين الوقت على الرد على هذه العمليات بعمليات ثأرية شنيعة على نحو ما جرى في غزة، تعمق على الطرف الآخر مشاعر اليأس في قلوب الفلسطينيين وتبدد عزيمة الصمود والصبر. لم الجلوس هنا وتحمل كل هذا والآخرون قي الشتات يعيشون في بحبوحة؟ هيا بنا نلحق بهم.

والإسرائيليون طبعا يغذون مشاعر اليأس هذه والاستعداد للهجرة بتنغيص عيش الفلسطينيين بشتى هذه الأعمال المؤلمة التي نسمع بها يوما بعد يوم، اقتلاع أشجارهم، قطع الماء عنهم... الخ.

طريق مسدود لا نفاذ منه إلا بقلب الاستراتيجية والآيديولوجيا الفلسطينية رأسا على عقب بتبني شعار الدولة الواحدة ذات القوميتين والثلاثة أديان، وإقناع اليهود بها بإظهار ما يكفي عمليا وفلسفيا من الرغبة القوية في التعايش والتآخي والتعامل السلمي والتعاون على بناء هذه الدولة الواحدة لتكون نبراسا لعموم الشرق الأوسط، بل والعالم كله. فلسطين في حاجة لغاندي فلسطيني لا يقتله الفلسطينيون.