هل هي أزمة النظام المصري وحده؟

TT

دائما تحاول بعض الفضائيات العربية تشتيتنا بنقاشات بعيدة عن الواقع، ولا تلامس جوهر الأمر في منطقتنا، وأبسط مثال على ذلك هو النقاش الدائر الآن حول الوضع في مصر، ومنذ مظاهرات يوم الغضب.

فالرئيس المصري حسني مبارك، ومهما قال معارضوه، هو ليس صدام حسين، ولا زين العابدين بن علي، أو آخرين يحكمون في منطقتنا.. مبارك رئيس له تاريخ، جزء منه تاريخ يفخر به المصريون أنفسهم، ورجل وطني خبر الحرب والسلم. مبارك ليس ديكتاتورا، ولا ديمقراطيا، وهذا هو مربط الفرس. والقضية ليست الرئيس مبارك، أو باقي الرؤساء العرب، بقدر ما هي أزمة الجمهوريات العربية كلها.

أزمة جمهورياتنا أنها تحكم وفق منهج أقرب إلى الملكيات، وهي ليست ملكيات، ولذا تجد نفسها دائما في طريق مسدود، سواء اليوم، أو بعد سنين، خصوصا أن بعض الحكام العرب في الجمهوريات العربية قد عايشوا عدة ملوك، وأمراء عرب، تغير الملوك ولم يتغير الرؤساء. وهذه هي الأزمة الحقيقية، حيث لا مدة محددة للرئيس، وبالتالي فلا بد أن تصل الأنظمة إلى هذه المنطقة المسدودة مهما استخدم من حيل، ومن ثم تكون الأزمة أزمة مشروعية.

وعندما نلوم بعض فضائياتنا ذات الشعارات الكذابة بأنها تسطح النقاش، وتشتت المتابع، فذلك لسبب بسيط حيث نرى تركيزا شديدا على مصر، ليس اليوم؛ فالتغطية الآن مبررة، لكن ومنذ فترة طويلة. وأهم تلك الأسباب أن نظام مبارك أتاح حرية إعلامية تفوق كل حريات جمهورياتنا، بما فيها لبنان الذي لا يجرؤ إعلامه على قول كلمة بحق حسن نصر الله الذي لم ينتخبه أحد، أو بحق إيران التي شكا شعبها تزوير الانتخابات. ففضائياتنا تتجاهل ما حدث في لبنان يوم فرضت سورية تغيير الدستور اللبناني والتمديد للحود، وانتهى الأمر بنهاية مأساوية حيث اغتيل رفيق الحريري ورفاقه، ووصل البلد إلى مرحلة يسمي فيها نصر الله رئيس وزراء لبنان السني!

وعليه، فجل النقاش يترك الجوهر ويتعلق بالقشور. فالأزمة ليست أزمة النظام المصري، بل هي أزمة الجمهوريات العربية. فإذا كان خصوم مبارك يلومون نظامه بالأمس على أنه عميل لأميركا، فكيف يلومون واشنطن اليوم لأنها لم تقف ضده بقوة، بل ويتناسون أن هناك جمهوريات عربية أخرى ورطتها أكبر من ورطة النظام المصري، لكنها ما زالت بعيدة عن دائرة الإعلام، بل إن المطالبين بتدخل أميركا يتناسون أن واشنطن سمحت لنوري المالكي أن يأخذ فترة حكم ثانية في العراق رغم خسارته الانتخابات! ولا أدري هل نحن في حالة نفاق عربي، أم أنه الضياع؟ فماذا عن النظام السوداني مثلا؟ وغيره من الجمهوريات القريبة من مصر، أو البعيدة؟

وهذا ليس دفاعا عن النظام المصري أو غيره، بل هو دعوة للتعقل، والتأمل، بدلا من الانفعال، ولنقول إنه يبدو أن لا مخرج لجمهورياتنا إلا باتباع النموذج التركي حيث يكون الجيش هو الضامن، والحكم، إلى حين أن ينضج اللاعبون في ملعب السياسة، مع تعديلات دستورية بالطبع تبدأ بتحديد فترة الرئاسة. وهذا ما نراه يتشكل في تونس اليوم، وهذا ما يبدو أنه سيحدث في مصر.

[email protected]